رياض الزهراء العدد 159 الحشد المقدس
العِيدُ فِي بيتِ الشَّهِيدِ
صباح العيد صباح بهيّ الجمال، تتعالى فيه أصوات الدعاء ونلمح فيه سعادة الأطفال، وفي بيت الشهيد تعصف الذكريات بالأيتام، حين يتذكّرون ما مضى من الأيام، حين كانت رائحة الكعك الذي تُعدّه الأمّهات يمتزج بأنفاس الأب الحنون، الذي رحل كحمامة سلام في هذا العيد، وبقي هديلها على شبابيك حياتهم، يعيد شريط ذكريات جميلة، حيث الأثواب الملوّنة، والألعاب اللطيفة، والبسمات البريئة، والفرحة الغامرة بقدوم العيد وارتداء الجديد. ولا ريب أنّ هؤلاء الأطفال الذين فقدوا آباءهم في سني طفولتهم هم بحاجة إلى مَن يبلسم جراحهم، ويمدّ يده ليمسح على رؤوسهم، ويخفّف عنهم، ويسعى بكلّ ما يستطيع ليرسم من جديد البسمة على وجوههم، فهذا أقلّ الوفاء منّا لدماء آبائهم؛ فهم بقيّة الشهيد، وكلّ ما يُفعل بحقّهم سيبقى ضئيلاً قِبال تضحياتهم، هنيئاً لمَن يفكّر في زيارة بيت الشهيد قبل زيارة الأصدقاء، ومبارك لمَن يحمل همّ أبناء الشهداء، وطوبى لمَن كان همّه أن يُدخل السعادة والهناء إلى بيوت هؤلاء، وقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام): "إذا بكى اليتيم اهتزّ له العرش، فيقول الله تبارك وتعالى: مَن هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه في صغره؟! فوعزّتي وجلالي، وارتفاعي في مكاني، لا يُسكته عبد مؤمن إلّا وجبت له الجنّة"(1). والمتأمّل في الآيات والروايات الواردة بخصوص كفالة الأيتام ورعايتهم يلحظ مدى الاهتمام الذي كُرّس لموضوع الإحسان إلى الأيتام، وكيفيّة إحاطتهم بسياج من الحبّ والدفء والاحترام، فالقرآن الكريم يشدّد على أن يحيا اليتيم وسط المجتمع بشكل سليم، ويحثّ على عدم قهره ونهره، فيقول: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)/(الضحى، الآية: 9)، مثلما يبيّن الإسلام أنّ رعاية الأيتام لا تقتصر على إطعامهم وإيوائهم، بل تتعدّى إلى الاهتمام بهم، بحيث يسعى المرء إلى تعويضهم عن حنان والدهم وعطفه، وعليه لا بدّ من توفير الرعاية الاجتماعية والمعنوية لهم، وإدراجهم في المجتمع، وفسح المجال أمامهم للتعبير عن أنفسهم، ورسم المسار الصحيح لهم ليكونوا أعضاء نافعين، وكذلك حثّ على رعايتهم مادياً بتوفير احتياجاتهم حتى يشتدّ عودهم ويستطيعوا الاعتماد على أنفسهم، فقد ورد عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): "مَن عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله عزّ وجلّ له بذلك الجنّة"(2)، والأحاديث في هذا المجال كثيرة، نلمس عن طريقها مبلغ حرص الإسلام على رعاية الأيتام من جهة، ومن جهة أخرى الآثار العظيمة المترتّبة على ذلك، كرفع الدرجات وزيادة الحسنات، وبلوغ الجنان ورضوان الرحمن، فهذه كلّها محفّزات للعناية بهذه الشريحة المهمّة التي كواها اليُتم وأضرّ بها الألم. فتعالوا لنجعل هذا العيد مختلفاً في بيت الشهيد، هيّا لنمدّ اليد فنمسح على رؤوس أيتامه، لنأخذهم في نزهة مع أطفالنا، لندخل الفرح والسرور إلى قلوبهم الرقيقة بشراء ملابس جديدة مثلما نشتري لأعزّ أولادنا، هيّا لنمدّهم بالأمل والتفاؤل ونوحي إليهم أنّهم سيتمكّنون من صنع حياتهم وتحدّي ظروفهم، ونذكر لهم قصص الأنبياء الذين تحدّوا يتمهم وواجهوا كلّ عسير اعترض طريقهم، حتى لمع نجمهم وسطع في الآفاق ذكرهم، ودعونا نشدّ على أيديهم ونقول لهم إنّنا سنبقى معكم وإلى جنبكم حتى تحقيق أهدافكم والتمكّن من حمل لقب والدكم ووسام الشهادة الذي ناله من أجل سعادتكم وجمال مستقبلكم. ............................. (1) وسائل الشيعة : ج77، ص 6. (2) ميزان الحكمة: ج11، ص 412.