سِجنُنَا الجَديدُ.. مُنقِذُنا مِنَ الموتِ

إخلاص داوود/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 263

شغلتني كثيراً معلومة علميّة لفريق من العلماء تمكّنوا من حساب وزن فيروس (كورونا) لما يقارب مليوني مصاب، حيث بلغ وزن الفيروسات التي أصابتهم "غراماً واحداً فقط"، معتمدين في ذلك على وزن الفيروسات بشكل عامّ وهي أقلّ من واحد من "مليون ترليون" من الغرام، وبتقسيم الغرام الواحد إلى مليون ترليون جزء يكون وزن الفيروس مساوٍ لجزء واحد من تلك الأجزاء. أي لا يساوي وزن مظروف رصاصة، أمّا حجمه فيبلغ قطره حوالي "80 الى 120" نانومتراً، أي أقلّ من قطر شعرة الإنسان بحوالي ألف مرّة، فسبحان الله الذي بلغ بقدرته ما يشاء. والمفارقة هي أنّ رغم ضآلة حجم الفيروس انشلّت حركة الكرة الأرضيّة بأسرها، وأوقفت كلّ نشاطات البشرية من: الصناعة، والتجارة، المطارات، والمدارس و...الخ. وحصلت انهيارات اقتصادية ومالية، ودخل رؤساء الدول التي تتحكّم باقتصاد العالم في خلافات ونزاعات قد تصل إلى إشعال فتيل حروب باردة أو صدامات عسكرية، وستكون أثمانها كبيرة على كلّ مَن يسكن على وجه الأرض. وقف العلماء عاجزين في التدبير، رغم وجود القدرات الكبيرة في مجال العلوم والطبّ والتكنولوجيا، متوقّعين ضعف الفيروس وتلاشيه من تلقاء نفسه. وعند قراءتي لهذه المعلومة دخلتُ في مرحلة تأمّل في قدرة الله تعالى القادر العظيم وحكمته التي لا يعلم خباياها سواه، ورحتُ أنقلها إلى الناس متعمّدة لأرى علامات التعجّب وملامح الخشوع، وأسمع كلمة: "سبحان الله، سبحان الله" بعد أن يعلم السامع أنّ الفيروس لا يزن سوى القليل من الغرامات. والسؤال الذي يراود مخيّلتي: كم من الوقت سيحملون هذا التعجّب أمام هذا الإعجاز الكوني؟ وهل سيغيرهم إلى الأفضل؟ المتأمّل في حكمة الله والمتفكّر في رسالته التي وجّهها إلى العالم عن طريق هذا الوباء الكبير بضرره والوضيع بحجمه، يجعله يرجع إلى الله مهما بعدت المسافة، ويلوذ بكرمه ويتعلّق بحبال رحمته؛ ليخلّصه من الطمع والأنانيّة والركض وراء ملذّات الحياة. فالمتفكّرون والمتأمّلون هم مَن جعلوا هذا السجن المستجد منطلقاً واسعاً وصادقاً لمراجعة النفس، وغربلة الأفكار للخروج من نمط التفكير الذي وضعوا أنفسهم فيه؛ ليتّسع ويشمل دائرة أكبر تنبّهه للعلل والتصدّعات التي أصابت الأرواح والمعايير الأخلاقية، بسبب الركض لإشباع الرغبات الدنيويّة. تأمّلات تصرع الأنانية وتُذيب الجفاء وتطفئ الأحقاد وتُثير التساؤلات: لماذا انحرفت خطواتي بعيداً عن التقرّب إلى الله تعالى وتعثّر تقدّمي نحو أهداف صحيحة وسليمة؟ وماذا فعلتُ طوال هذه السنين في سبيل تطوير ذاتيّ أخلاقيّاً ونفسيّاً ودينيّاً؟ وهل أنا من الساعين، والمنشغلين فعلاً والمهتمّين بالارتقاء في تعاملي مع نفسي والآخرين؟ يقول الله(سبحانه وتعالى): (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)/(الأنعام، الآية:42)، إنّنا فعلاً نحتاج إلى هذه الخلوة لاستثمارها في تجديد طاقاتنا الإيجابية، وبعد زوال سحابة (كورونا) سيشعر مَن التزم بالحجر المنزلي كمَن خرج من قعر ضيّق إلى باحة واسعة غنّاء، "فرُبَّ ضارّة نافعة".