رياض الزهراء العدد 159 منكم وإليكم
مَنْ مِيثَمُ زَمَانِنَا؟
ذلك التمّار البسيط الذي ما إن تنظر إليه حتى تشعر بالودّ والاحترام، بوجهه النورانيّ وملامحه الوقرة يسير في الكوفة فجراً مبتسماً لهوائها الذي لا تُسمع فيه إلّا أصوات المصلّين والقائمين ليلهم، كان نسيم الفجر خالياً من أنفاس المنافقين، لكن يُعتصر القلب عندما يُرى قصر الإمارة الذي تعلوه أصوات الطرب وتفوح منه رائحة الخمر؛ سار مِيثم كعادته ليسقي نخلته التي لم تكن نخلته فحسب، بل هي صديقته التي ستدركه يوم شدّته. جلس عند النخلة وأسند ظهره وبدأ يستذكر أيامه الجميلة مع معشوقه، ومناجاة ذلك البليغ في جوف الليل في الصحراء المظلمة، الذي لم ينم يوماً خوفاً من أن يكون هناك يتيم جائع؛ معشوقه لم يكن أميراً بل فقيراً، لم يكن ممّن يرتادون القصور، بل سكن بيتاً بسيطاً، وجلس على كرسيّ القضاء ليعدل، تعلّم مِيثم في المدرسة العلويّة، وكان كثيراً ما يسمع ويحفظ من كلام الأمير(عليه السلام) ويلقيه على المسامع. وفي يوم ارتقى ابن زياد المنبر طاعناً في أهل البيت(عليهم السلام) واصفاً الحسين(عليه السلام) بالخارجيّ، فاعترضه مِيثم وبات يتحدّث عن مكانة العترة، فرُمي به في السجن، ولم يكن سجناً بل مكاناً للعشّاق كالمختار وغيره، فأصبح هذا السجن مأوىً وبيتاً للشيعة أعدّه ابن زياد لهم، دار حوار بين التمّار والجلّاد عمّا أخبره الإمام عليّ(عليه السلام) عن مقتله وصلبه على جذع نخلة. فقتلوه وقطعوا يديه ورجليه ولسانه، وفاضت روحه الطاهرة العاشقة لله(سبحانه وتعالى) لتلقى معشوقها في جنّة الفردوس، هكذا هي قصص العاشقين، قصّة هذا التمار قصّة عشق لا ينتهي، فقد وصل به حبّ الأمير إلى أن قالوا هذا مجنون، وختم قصته بدمه الطاهر ليُدعى بعاشق حيدر. يا تُرى متى نكتب قصّة عشقنا مع أمير هذا الزمان؟ متى نكتب قصتنا وماذا سنكتب؟ هل كنّا مع إمامنا كمِيثم مع إمامه؟ هل سعينا لنكون مثل ميثم؟ أين مِيثم زماننا؟ الإمام(عليه السلام) يريدنا أن نكون ميثماً لا أن نطعن قلبه بسيوف بني أميّة قبل أن نفكّر بأن نقول: يا ليتنا كنّا معه لننصره، أو نكون مع مِيثم لنتعلّم منه، أقول اقرعوا أبواب عليّ زماننا، وكونوا له مِيثماً.