البَحرُ الزاخِرُ... الإمامُ البَاقِرُ(عليه السلام)

نعمت أبو زيد/ لبنان
عدد المشاهدات : 193

"الباقر" لقبٌ يُعبّر عن تلك الحقيقة التي انطوت عليها ذات الإمام(عليه السلام) من مكنون علم ربّاني، وينمُّ عن بحرٍ زاخر ما لا يقدر أحدٌ أن يدرك كُنهه. ولقد توافرت في شخصيّته المباركة جميع الصفات الكريمة التي أهّلته لزعامة هذه الأمة. حيث تميّز هذا الإمام العظيم بمواهبه الروحيّة والعقليّة العظيمة وفضائله النفسيّة والأخلاقيّة السامية، ممّا جعل صورته صورة متميّزة عن سائر البشر، مثلما تميّز بحسبه الوضّاح بكلّ ما يمكن أن يسمو به هذا الإمام، وكان العلماء يُطأطئون رؤوسهم عند أعتاب علومه؛ لينالوا شيئاً من فتات معارفه. كان له مواقف عظيمة في علم الكلام والتفسير والحديث والتاريخ، فقد كان عصر الإمام الباقر(عليه السلام) الزمن الذي تمّ فيه التقاء الحضارات وأدّى ذلك إلى طرح الكثير من المسائل الكلاميّة المعقَّدة التي عجز الجميع عن الإجابة عنها فلم يبقَ إلّا الإمام الباقر(عليه السلام) في الميدان للتصدّي إلى تلك الأفكار والإجابة عنها بالحجّة الراسخة والبرهان القطعيّ، ثم تزييفها وإسقاطها من الأذهان. وبما أنّ القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة، وخاتم الكتب السماويّة فهو يحتاج إلى المزيد من العناية والحفظ حتّى على مستوى التفسير؛ لكيلا تؤوّل آياته بطريقة استغلاليّة من قبل الطواغيت، أو بيانه بأسلوب يخدم أصحاب الأهواء والترف الفكريّ, ولذا اعتصم الإمام محمّد الباقر(عليه السلام) كباقي آبائه وأبنائه البررة بالقرآن الكريم حفظاً وتفسيراً وتعليماً وتلاوةً؛ لتحقيق أمرين أساسيّين: أوّلاً بيان مضمون القرآن الكريم والإشارة إلى حقائقه بهدف إيصال الكنوز المعرفيّة والحُكميّة والأحكام الواقعيّة إلى الناس، إذ هو أحد المعصومين الراسخين في العلم، وثانياً صيانة الكتاب العزيز من أيدي العابثين، وإبطال زيف أفكارهم لبيان أنَّ دين الله لا يُصاب بالعقول. وبالنسبة إلى علم الحديث فقد كان الإمام الباقر(عليه السلام) مع ولده الإمام الصادق(عليه السلام) الرائديْن الأساسييْن في نشر السنّة المطهّرة لكثرة ما صدر عنهما من أحاديث، ولكثرة تلاميذهما الذين تحمّلوا عنهما الروايات ونشروها حتَّى بلغت الخافقين، وبحسب المتتبِّع فالذي يبدو أنَّ المرويّ عن الإمام الباقر(عليه السلام) يقارب السبعين ألف حديث. ومن جملة علوم الإمام الباقر(عليه السلام) ما يتعلَّق بحكم الأنبياء السابقين (عليهم السلام) وسُننهم. وقد نُقِل عنه الشيء الكثير من ذلك, فقد عرض (عليه السلام) على أصحابه ما أوحى الله به لآدم من الحكم،(1) ونقل لهم دعاء نوح(عليه السلام)على قومه، وحكى لهم حكم سليمان(عليه السلام)، وما تتضمّنه التوراة، وقد صرَّح لأصحابه بأنَّ النبيّ إسماعيل(عليه السلام) هو أوّل مَن تكلّم بالعربيّة(2)، حيث قال(عليه السلام): "أوّل من فتق لسانه بالعربيّة المبينة إسماعيل وهو ابن عشر سنين".(3) ولم يقتصر (عليه السلام) في علم التاريخ على علم الأنبياء السابقين، بل نقل الكثير من تاريخ جدّيه خاتم الأنبياء(صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين(عليه السلام). فسلامٌ عليه يوم وُلد ويوم استُشهد ويوم يُبعثُ حيّاً.. ..................................... (1) بحار الأنوار: ج 11، ص 290. (2) شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، ج 3، ص 159. (3)بحار الأنوار: ج 35، ص 141.