رياض الزهراء العدد 159 منكم وإليكم
الإعلَامِيَّةُ، أَمٌّ مَعَ الكثيرِ مِنَ التَّضْحِيَةِ
شكّل عمل المرأة خارج المنزل تحديات كبيرة لها، وقد استطاعت الكثيرات أن يحقّقن تكاملاً في مسيرتهنّ المهنيّة من جانب وفي الحفاظ على دورهنّ بوصفهنّ سيدات للبيوت، وأمّهات أمامهنّ واجب رساليّ مهمّ، ألا وهو تربية الأبناء من جانب آخر. لكن بعض المِهَن، أخذت من المرأة حصّة كبيرة من الجهد والتعب، كونها تتطلّب متابعة دائمة ولا ترتبط بمواعيد محدّدة، وهذه المهنة هي الإعلام. فما واقع المرأة الإعلامية الأُمّ؟ وهل استطاعت أن تؤدّي واجبها الرساليّ من دون أن تقصّر في حقّ أسرتها؟ وما المخاطر التي تحفّ بهذه المهنة على المرأة الأمّ؟ حتى الإعلاميّات أنفسهنّ يتأثّرن عند مشاهدة إحدى المراسلات في ميدان الحرب، ويتأهبنّ خوفًا عليها، ويعلمن أنّها أمّ، وأنّ حياتها ليست لها وحدها، بل لها أطفال ينتظرونها عند باب الدار. بهذا الوصف بدأت مقالي هذا لأعبّر أولاً عن حجم الخطر الذي يُحدق بالصحافيّة الأمّ في عملها مراسلةً ميدانيّةً. وحال الإعلاميّات اللواتي يقدّمن مادتهنّ من داخل الأستوديو لا يختلف كثيرًا عن حالها، فهنّ على مواعيد غير ثابتة في عملهنّ، سواء في غرف الأخبار، أو في البرامج، فعليهنّ دائمًا أن يكنّ في حالة جهوزية لأيّ أمر طارئ، وقد يتحوّل فجأة ليلهنّ إلى نهار. الإعلاميّة في زمن الخبر والسرعة والأحداث هي جزء من المشهد، تعيش الضغوطات اليوميّة وتشارك في المؤتمرات، تسافر لتغطية حدث ما، وتضطرّ إلى ترك بيتها أحيانًا؛ لأنّها اختارت مهنة البحث عن المتاعب. لكن في داخلها يضجّ شعور الأمومة فتحزن؛ لأنّها لم تتمكّن من أن تواكب طفلها في لحظات خطواته الأولى بعد المهد، ولأنّها لم تشاركه حفلة تخرّجه في المدرسة، فهي تعيش صراعًا بين مهنتها الإنسانية وبين دورها بوصفها أمّاً. كثير من الإعلاميّات لا يستطعنَ أن يخفّفن من ساعات العمل نظرًا إلى حاجتهنّ المادية، بينما البعض منهنّ قد يتمكنّ من تخفيض ساعات العمل من أجل أداء تكليفهنّ الأساسيّ بوصفهنّ أمّهات. فتحيّة إلى المرأة الإعلاميّة التي اختارت مهنة رساليّة، واستطاعت أن تلبّي كلّ احتياجات بيتها، وفي الوقت نفسه لم تتخلَّ عن دورها التوعويّ في المجتمع، كون هذا الدور أساسيّاً في الإسلام الذي دعا المرأة إلى المشاركة في نشر التعاليم، وفي إحقاق الحقّ، وقد يكون الحقّ كامناً في خبر صحفيّ أو في برنامج يُصيب الهدف، ويمنع التشويه؛ لتنجلي الحقيقة بيضاء ناصعة تماماً كقلب الأمّ.