رياض الزهراء العدد 159 صحة العائلة النفسية
الصِّحَّةُ النَّفسِيَّةُ وَالأُسرَةُ
إنّ الأسرة هي اللبنة الأساسيّة التي تقوم عليها سلامة المجتمع ككلّ، ومن هذا المنطلق حظيت باهتمام المفكّرين من جميع الثقافات، فكلّما كانت الأسرة على قدر كبير من الاستقامة والتماسك، صلحت شؤون المجتمع واستقام، إلّا أنّه في الآونة الأخيرة طالت مجتمعاتنا العربية والإسلامية بعض مواطن الضعف في الروابط الأسرية، فلا يمكننا أن نقضي على مشاكل المجتمع ما لم نعمل على حلّ مشاكل الأسرة وحمايتها من التفكّك، إذ إنّ صلاح الأسرة هو صلاح المجتمع، وللصحّة النفسيّة المجتمعيّة أهميّة بالغة لأنّها تؤثر تأثيراً مباشراً في صحّة الفرد النفسيّة، ومن ثمّ صحّة أسرته ومجتمعه، وتشمل الأسرة والمدرسة والمجتمع الذي يعيش فيه الفرد. عند توافر مقوّمات الجوّ الصحّي في البيت الذي تسوده السعادة والحرية والتجانس في العلاقات الأسرية، وكذلك المدرسة التي تعمل على احترام الطالب، وتزويده بالمعلومات والمهارات بما يلائم قابلياته وقدراته ويطوّرها، وبالنسبة إلى جوّ العمل وما يوفّره من تكافؤ الفرص مع توافر النظام, كلّها عوامل تؤثر في توافق الفرد في هذه البيئات. وهناك حاجتان أساسيتان يجب توافرهما في الأسرة والمجتمع لنصل إلى حالة الاستقرار النفسيّ لأفراده وهما: ـ أ- الشعور بالطمأنينة: ويمكن توافرها عن طريق الحبّ والألفة بين الفرد وذويه عن طريق العلاقات الأسرية المبنيّة على أساس الثقة والتعاون والتفاهم منذ مرحلة الطفولة التي تُعدّ الأساس الذي تُبنى عليه العلاقات الاجتماعية عند الكبر. ب- الحاجة إلى الشعور بالأهميّة: إشباع هذه الحاجة يؤدّي إلى الكفاية، وتماسك الشخصيّة الفرديّة خاصّة في مرحلة الطفولة، ويكون للوالدين دور أساسيّ ومهمّ في تعزيز هذا الجانب عن طريق إظهار الاهتمام والعناية وتقديم الدعم والتشجيع ومكافأة الطفل على الأعمال الجيّدة التي يقوم بها, وهذا يساعد على تعزيز السلوك الجيّد وتحسين قابلياته على التكيّف والتوافق لمواجهة مختلف المواقف عند الكبر. إنّ الوقاية من الأمراض النفسيّة تعتمد على تجنّب الأسباب التي اُفترضت بوصفها عوامل مسبّبة للمرض النفسيّ, فمثلاً الذين يرونَ المرض النفسي ما هو إلّا نتيجة لتعلّم عادات سيئة, يجدون الوقاية منه هي بالتركيز على تربية الطفل على عادات صحيحة وسليمة, وبصورة عامّة فإنّ مفهوم الوقاية يعني الحفاظ على الصحّة النفسيّة ومراعاة النمو السليم. مثلما تؤثّر التربية المدرسيّة بشكل كبير في صحّة التنمية النفسيّة للطفل، حيث تؤدّي مجالس الآباء والمعلّمين دوراً كبيراً في تصحيح مسار شخصيّة الطفل إذا تمّت بشكل تربويّ صحيح، و بأسلوب جيّد في التنمية النفسيّة مثلما أنّها تؤثّر في النموّ النفسيّ (السويّ وغير السويّ) للطفل في تكوين شخصيّته، إضافة إلى أنّ الأسرة السعيدة تعدّ بيئة نفسيّة صحيّة للنمو، وتؤدّي إلى سعادة الطفل، أمّا الأسرة المضطربة فتعدّ بيئة نفسيّة سيّئة للنمو، فهي تكون بمثابة مرتع خصب للانحرافات السلوكية، والاضطرابات النفسيّة والاجتماعية ومن ثمّ ينتهي ذلك إلى عدم انتظام شخصيّة الطفل، وتدهورها التدريجيّ؛ لذا تعدّ الأسرة واحدة من المقوّمات الأساسية المهمّة في عملية تكوين الشخصية المتكاملة، وإعداد إنسان سوي نفسياً قادر على تحمّل المسؤولية الاجتماعية.