مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ(عليه السلام)... سَفيرُ الشَّهَادَةِ

فاطمة النعماني/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 167

داعية الحسين(عليه السلام) وسفيره إلى العراق هو رجل علم ومعرفة إلهيّة، وحكمة وأخلاق وبلاغة وأدب وشجاعة وفروسيّة ومآثر جمّة، تحلّى بالفضائل وتربّى في ذلك البيت المنيع، فإلى أيّ ناحية من نواحي هذا البيت نتوجّه لا يقع نظرنا إلّا على عملاق في العلم، أو مقتدىً في الأخلاق أو زعيم في الدين أو بطل في الشجاعة أو إمام في البلاغة أو مقنّن في السياسة الإلهيّة. لم يكن اختيار الإمام الحسين(عليه السلام) مسلم بن عقيل(عليه السلام) لمـَهمّة السفارة إلى الكوفة مدفوعاً بدافع الانحياز، أو التعصّب، أو العاطفة، إنّما علماً منه بكفاءة مسلم بن عقيل(عليه السلام) وأهليّته التامّة لتلك المهمّة، وإنّه جدير أن يكون مندوباً عنه في مهمّة شاء الله أن تصبح قضية إنقاذ الدين والأمة، وأن تكون مشعلاً ينير طريق الأجيال، لذلك وسمه في رسالته إلى أهل الكوفة بـ "أخي وثقتي وابن عمّي مسلم بن عقيل"(1). استجاب مسلم(عليه السلام) للمهمّة التي أوكلت إليه بنفس راضية مطمئنّة، ووصل عدد المبايعين لمسلم إلى ثمانية عشر ألفاً في أغلب الروايات، ولكن حينما استخدم معهم ابن زياد سياسة الترهيب والترغيب وحبس عدداً كبيراً من أنصاره الخُلّص بقي مسلم وحيداً. فمشى في أزقة الكوفة إلى أن وصل إلى دار امرأة موالية لآل البيت(عليهم السلام) يُقال لها (طوعة) حيث استضافته في بيتها، لكن يد الغدر طالته بوشاية فحوصر مسلم، وقاتل قتال الأبطال، وقَتل منهم مقتلاً كثيراً، ولكنّهم بالمكر والخديجة استطاعوا أن يقتادوه إلى ابن زياد، وعندها أمر برميه من سطح دار الإمارة. وقد أكّدت الروايات التاريخية على أنّ مسلماً(عليه السلام) كان أول شهيد من بني هاشم، يُقتل ويمثّل بجثمانه الشريف على مرأى ومسمع من المسلمين،(2) من دون أن يحرّكوا ساكناً، وهو أول شهيد حُمِل رأسه إلى الشام، ليتصدّر ركب قافلة نينوى تاركاً خلفه إرثاً من ذهب، تحكي به الأجيال قصّة ذلك المجاهد المجالد الذي لبّى نداء إمام زمانه، وحمل لواء الحرّية، ومضى إلى ربّه شهيداً محتسباً، فسلام عليه يوم وُلِد ويوم استُشهد، ويوم يبعث حيّاً. ................................... (1) مسلم بن عقيل دراسة تاريخية: ص266. (2) المصدر السابق: ص279.