الحَاكِمُ العَادِلُ أَساسُ الدَّوْلَةِ الفَاضِلَةِ
واجهت الرسالة الإسلامية الكثير من التحدّيات حتى أبصرت النور، وأصبحت كالضياء الباسط نوره على كلّ شيء، وكان النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) من أولي العزم الماضين في إتمام رسالتهم السماويّة المطيعين لله في كلّ ما أمرهم به، وبعد انتصار الضياء على الظلم الذي كان قابعاً على كلّ شيء، كان هنالك تحدٍّ أخير على رسولنا الكريم أن يتمّه لتكتمل رسالته السماويّة، ألا وهي أن يختار من بعده قائداً مكتمل الصفات ليقود أمّة حديثة العهد بتطبيق القوانين الإلهيّة من العدل والمساواة ونصرة الضعيف وتحرير الإنسان من العبوديّة والجشع، واختار الله(سبحانه وتعالى) لهذا المنصب إمام الزهّاد والنسّاك والعبّاد عليّاً(عليه السلام) وأمر (سبحانه وتعالى) رسولنا الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) بتبليغ المؤمنين والمسلمين في حجّة الوداع بهذا الأمر الإلهيّ بتنصيب عليّ(عليه السلام) من بعده، وبايع المسلمون عليّاً(عليه السلام) مباركين ومهنّئين له المكانة والمنزلة الإلهيّة، لكن ما حدث بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) كان عكس ذلك تماماً، إذ ظهرت الأحقاد والأطماع، وسعى مَن سعى إلى إبعاده عمّا أراده الله له أن يكون، فلم تسلّم الخلافة إلى خير ممثّل للضمير الإنساني والإرادة الحرّة، والمثال الحقيقيّ للدولة الإسلامية إمام الحقّ، فكانت أول صدمة للعدل، وانهيار للخير، وانحطاط للقِيم، واندثار للحقيقة. هي الأولى ولعلّها أشدّ لطمة على جبين الحقّ وأهله. فالحقّ، مثلما بدأ، ويبتدئ كلّ يوم، لا يكفيه أن يكون حقّاً ليسود، لا حتى أن تلحقه القوة، فالقوة لا تعبأ بالحقّ، بل بالقوة وحدها، وساد الشرّ وملك، واستبيح الحقّ وأهله وأئمته، وانفكّ مفهوم الحقّ وأصبح هلامياً، فانتزاع الخلافة من عليّ(عليه السلام) وعدم تلبية الأمر الإلهي في تلك المدّة هي بمثابة قلقنا نحن الآن، قلقنا الوجوديّ، القلق من الانفصال البارز للحقّ عن القوة، الخوف من فقد الصلة بالحقّ والقلق من عدم النصرة، وعدم الردّ، وعدم ردع المجرمين. فعدم تولّي الإمام عليّ(عليه السلام) الخلافة بعدما بويع علناً في يوم الغدير تؤكد يوماً بعد يوم أنّ أيّ سبيل للخلاص بالحقّ غير مصحوب بالقوة، هو عبث لا طائل من ورائه، فيجب أن تكون لنا عبرة من تأريخنا حين نصب حكّام الكفر والحيلة أمثال معاوية ويزيد ليسلبوا من الناس كرامتهم وحقوقهم الإنسانية، وليعيشوا مترفين هم وحاشيتهم على حساب المستضعفين من الناس.