العِصْمَةُ جَوْهَرُ الإِمَامَةِ
العِصْمَةُ لغةً: الإمساكُ والمنعُ(1)، واصطلاحًا: هي التنزّه عن الذنوب والمعاصي، صغائرها وكبائرها، وعن الخطأ والنسيان، وإن لم يمتنع عقلاً صدور ذلك عن المعصوم(2). وقد اختلفت المدرستان في شرطيّة العصمة في الإمام، تبعًا لاختلافهما في تفسيرها، فذهبت مدرسة الرأي إلى أنَّ الإمامة لا تعدو أنْ تكون منصبًا دنيويًا يتصدّى من يتسنّمه للحكم، بقطع النظر عن كيفية الوصول إليه، ومقامه العلمي، ومطابقة سلوكه للأحكام الدينيّة، ولذا فهي لا تشترط العصمة. على حين عرّفت المدرسةُ الإمامية الإمامةَ بأنَّها: منصبٌ إلهيّ يَخلُفُ فيه الإمامُ النبيَّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في القيام بجميع وظائفه سوى تلقّي الوحي الرساليّ، أيّ أنَّها امتدادٌ للنبوّة، ولذا ذهبت إلى أنَّ العصمةَ عنصرٌ ذاتيٌّ من ذاتيات الإمامة، مُستندةً في ذلك إلى الأدلة العقليّة والنقليّة، فأمّا عقلًا فلأنَّ الإمامَ واسطةٌ بين الله(سبحانه وتعالى) وخلقه، يبلِّغهم بأحكامه، ويكونُ لهم أسوةً ليهتدوا به، ولله (تعالى) عليهم حجّةً، وكلُّ هذه المقامات: مقام التبليغ، ومقام الأسوة، ومقام الحُجيّة لا تتحقّق إلّا إذا كان الإمامُ معصومًا؛ إذ لو كذب مثلًا، فلا يُمكِنُ الوثوقُ بتبليغِهِ الأحكامَ حينئذٍ، مثلما لا يكونُ أهلًا للاهتداءِ به، فضلًا عن قُبح الاحتجاج به واللهُ (سبحانه) منزَّهٌ عن كلِّ قبيح، فيلزمُ من كلِّ ذلك أنْ يكونَ معصومًا علمًا وعملًا، أي لا يُخطِئُ في استقبال المعلومة ولا في تحليلها، ولا في تبليغها، مثلما أنَّه لا ينحرفُ، ولا يسهو، ولا ينسى. وأمّا نقلًا فهناك الكثيرُ من الأدلّةِ، منها قولُهُ(سبحانه وتعالى): (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)/(البقرة، الآية: 124)، والمقصود من الظلم في كلمة (الظالمين) ما يقابل العدل، وبما أنَّ العدل هو: وضعُ الشيءِ في محلِّهِ؛ إذن فالظلم يشملُ كلَّ ما هو عكس ذلك من مصاديق، فالشركُ ظلمٌ عظيمٌ؛ لأنّه يضع العبادة في غير محلّها، وعليه لا يقتصر معنى الظلم هنا على ظلم الآخرين فقط، بل يشمل مطلق الظلم. والناس بحسب القسمة العقليّة بالنسبة إلى الظلم على أربعة أقسام لا خامس لها: مَن كان ظالمًا طوال حياته، ومَن هو ظالم في أول حياته فقط، ومَن هو ظالم في آخرها فقط، ومَن لم يظلم طوال حياته. وعليه فلا يستحقّ الإمامةَ أيٌّ من الأقسام الثلاثة الأولى؛ لأنّ الله(سبحانه وتعالى) قد استثنى كلّ مَن ارتكب ظلمًا ولو بمقدار ذرّة، فيتعيّن أن لا أحد يستحقُها سوى القسم الرابع؛ لأنّه لم يرتكبْ ظلمًا قطّ، وهذا هو المراد من المعصوم. ............................... (1) معجم مقاييس اللغة: ج، 4ص331. (2) عقائد الإمامية: ص56.