رياض الزهراء العدد 158 لحياة أفضل
(فَوَاحِدَةً)
قليلٌ منّا مَن يساوي في تركيزه وفهمه بين: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)/(النساء، الآية: 3). لأننا بطبيعتنا البشرية حين لا نتحكّم بأنفسنا، فأننا مجبولون على الأخذ بما نهوى، الأسهل، الأيسر، والأكثر وِفرةً وسهولة، فعلى سبيل المثال إنّنا لا نركّز كثيراً على التحذير الموضوع على علبة السجائر؛ لأنّ هدفنا هو الحصول على لذة التدخين، ولا نهتم كثيراً بمضارّ منتجات تصفيف الشعر؛ لأنّ هدفنا هو الحصول على شعرٍ لامع. إن التأمل في هذه الآية الكريمة يفتحُ لنا أبعاداً أعمق ممّا يتعلق بمسألة العدل في الزواج وحكمة التعدد، بل العدل في كلّ تفصيل من تفاصيل حياتنا وكلّ ما يمرّ بنا في تعاملاتنا البشرية، وعلاقاتنا مع الآخرين؛ بل حتى العدل مع ذواتنا، والإنصاف هو أن نعرف الهدف المنشود من السعي، وأن نعرف عواقبه، هل لو حصلنا على الشيء الفلاني فإنّنا لن نترك خلفنا آثاراً جانبية أخرى؟ هل نتلذذ بالأكلة هذه أو تلك، ونتجاهل أنّها اشتريت بمالٍ حرام أو أنّها مضرّة بصحتنا؟ أم هل نُبيح لأنفسنا حراماً لأنّ أنفسنا تميلُ إليه؟ وهكذا دواليك... سلسلة لا متناهية من الأهداف التي تتعارض مع منطق العدل الذي أرساه الله(سبحانه وتعالى) في الفطرة السليمة والبصيرة المستنيرة بنور عدله وحكمته. إنّ الموازنة بين العقل والقلب هي حالةٌ من الصِراع الدائم، فلا تتّفق رغبة القلب مع رجاحة العقل في كثير من الأمور، وهنا مكمن النِزاع، فهو إمّا ينساق وراء الهوى فيقودُ صاحبه إلى الهلاك، وإمّا يخضع لمنطق العدل الذاتيّ فيسمو بصاحبه نحو العُلا. إنّ الاهتمام بما يحتاجه كلٌّ منهما العقل والقلب، دون تفضيل للهوى أو تسلّط مطلق للعقل، لهو إحدى أهم تجلّيات العدل التي نغفل عنها كثيراً والتي من شأنها أن تهوي بنا إلى مراتب دُنيا، أو ترفعنا لما يرتضيه الخالق. ولأنّ أساس العدل يبدأ من نواة المجتمع الأولى التي هي الأسرة، فلقد أكّد الباري جلّ جلاله على مسألة العدل في الزواج، كونه أولى سمات الموازنة بين العاطفة والعقل، والعامل الذي يُمهّد لتعبيدِ طريقٍ سالكٍ لإنعكاسات العدل الأخرى.