رياض الزهراء العدد 158 لحياة أفضل
مُنَاجَاةٌ وَرِسَالةٌ إلى كُلِّ الحَياةِ
كثيراً ما نسمع بهذه العبارة: "إنّ الإنسان أتى لوحده، وسيعود لوحده" ولكن يبقى ما بين هاتين المرحلتين، فهناك علاقات إنسانيّة لابدّ من أن تُبنى، وصِلات بين بني البشر لابدّ من أن تتحقّق، فمنها ما يدوم ومنها ما يزول، ولكن يبقى هناك مرتكز أساسي ينطلق منه الإنسان في كلّ علاقاته مثلما يوجد في فقرة من مناجاة المعتصمين لإمامنا السجّاد(عليه السلام) التي يقول فيها: "يا مأوى المنقطعين"(1)، فهذا المأوى يعصم الإنسان من أن يشعر بالغربة أو الوحدة إذا ما غاب عنه قريب أو خذله رفيق أو خانه صاحب أو ابتعد عنه مُحبّ؛ إذ نقول الفقرة: (منقطعين) وليس: (المقطوعين) أو: (القاطعين)؛ لأنّ حصول الانقطاع إلى الله تعالى، وإدراك أنّه المأوى بدءاً وإليه المنتهى يُبقي علاقاتنا الإنسانية مع الآخرين علاقات مبنيّة على المعروف لمَن يبذل لنا الحبّ، والعفو لمن أخطأ، والصفح عمّن أساء، أي يجعل نظرتنا للأشخاص المقابلين على أنّهم عيال الله تعالى، فمَن يخطئون في حقّنا نعفو عنهم، وقد نقطع صلتنا بهم، لكن ليس بمعنى العداوة، بل بمعنى السلام، فتكون الصلة بيننا بالدعاء لهم بالخير. وهناك مَن يتمكن من الصفح الذي هو درجة أعلى -مثلما يقال- بمعنى أن تبدأ معه صفحة جديدة، لوجود رابطة أكبر توجب أن يُنظر للإساءة وكأنّها لم تحصل، وهذا يتحقّق بتحقّق صفة (الانقطاع) إلى الله تعالى؛ فالمنقطع إلى الله تعالى لا يقاطع؛ بل يَصل الخَلْق. ............................................ (1) الصحيفة السجادية الكاملة: ص367.