رياض الزهراء العدد 158 لحياة أفضل
التَّنْمِيَةُ وَالتَّربِيَةُ فِي الإِسْلَامِ
من أدوات التنمية الأساسية البشر، وأنّ محور التربية هو الإنسان، ومن ثمّ فإنّ العملية التربوية هي عملية تنموية في الأساس، فغاية التربية والتنمية ووسيلتهما هي الإنسان، فما ينتج عن التنمية من تغيير ثقافيّ واجتماعيّ في بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لابدّ من أن يتأثّر به الإنسان ويكون سبباً في شقائه أو رفاهيته العامّة. إنّ التنمية البشريّة عملية تستهدف الإنسان، وتعمل جاهدة على وضع كلّ ما يفيده و يخدمه ليحيا حياة كريمة فضلاً عن تطوير جميع طاقاته وإمكاناته لهذا الغرض؛ لأنّ الإنسان أساس الحركة التنموية في المجتمع؛ ولهذا فإنّ الإسلام اهتمّ كثيراً بتربية الإنسان بوصفه خليفة الله في الأرض، وبضرورة تربية النفس وجهادها وترويضها على الأعمال الصالحة التي تهذّبها وتزكّيها، ونجد ذلك في كثير من الآيات القرآنية التي تربّي الإنسان وتنمّي قدراته وطاقاته على الخير و الصلاح، ومن تلك الآيات قوله تعالى: (قدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)/(المؤمنون، الآية: 2)، ففي هذه الآيات المباركة نجد الله(سبحانه وتعالى) يمدح المؤمنين واصفاً استقامتهم الفردية والارتباط الروحي بينهم وبينه تعالى، وصفاتهم التي يُعرفون بها عنده عن طريق خشوعهم في صلاتهم وإعراضهم عن اللغو والكلام البذيء، فهذه الصفات التربوية يجب على كلّ مسلم أن يتّصف بها ويهذّب سلوكه للوصول إليها؛ لكي يصل إلى جنّة الفردوس التي يرثها العباد الصالحون، فنرى قوله تعالى: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُون الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)/(المؤمنون، الآية: 11)، تأتي هذه الآيات مكمّلة للآيات التي سبقتها والتي تعدّ مكافأة للمؤمنين على حسن أخلاقهم وتربيتهم وتنميتهم لما رزقهم الله من فضله عن طريق الزكاة، والأعمال الصالحة التي يريدها الإسلام منّا جميعاً. والقرآن الكريم يسلّط الضوء على أهمّ قاعدة تربوية في الإنسان، وهي قوله تعالى: (ونَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا َفأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)/(الشمس، الآية: 8)، حيث يوجد في كلّ نفس إنسانية استعدادان أساسيان، استعداد للخير واستعداد للشرّ، والمربّي الناجح هو الذي يسعى إلى الاستفادة من هذه الاستعدادات، حيث يقوم بعملين في الوقت نفسه وهما: إحياء الاستعدادات الفطرية الخيّرة، وإماتة الميول المنحرفة الشريرة، وبعبارة أوضح: إنّ المربّي هو الذي يقدر على تنمية القابليات والمواهب الفطرية عبر الأساليب التربوية الناجحة. والإسلام يهدف إلى تربية الإنسان الصالح الذي ينظر إلى الناس جميعاً على أنّهم إخوته ومتساوون معه في الحقوق والواجبات والعدالة، وكلّ ذلك يهدف إلى عمارة الأرض وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، فإذا تمّت التربية على هذا الأساس وكان السلوك مطابقاً لهذه التربية فقد نجح المسلم وفاز برضوان الله في الدنيا والآخرة، ونحن بحاجة إلى إعادة التربية في مدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا حتى تتضح المفاهيم ويصحّ الاتجاه، ويجد الناس في قلوبهم الأمن والإيمان، وفي نفوسهم عزّة الإسلام وحبّ الكون بما فيه ومن فيه، وبين جوانحهم عوامل الاستقرار والسعادة، والإسلام حريص على الإنسان المسلم وحريص على مواهبه واستعداده واتجاهاته وهو لا يكبت الطاقات؛ لأنّها موهبة من الله تعالى خالق البشر، وكلّ ما وهبه للإنسان فهو خير، وينبغي أن ينمّيه ويستغلّه في المصلحة الخاصّة والعامّة.