الدّروسُ الخُصوصِيَّةُ آفَةُ الدَّخلِ الأُسَرِي
تُعدّ المدرسة المرفق الحيوي الذي يجب أن نكنّ له الاحترام والتقدير, لكن في السنوات الأخيرة دخلت عليه ممارسات أبعدته عن الهدف الحقيقي له، وأصبح مستغلاً من قبل بعض الأشخاص الذين حوّلوه إلى مرفق مادي، فعند بداية كلّ عام دراسي جديد يبدأ الطلاب بالتسابق للحصول على مدرس خصوصي بهدف تدريسهم مقابل مبلغ مالي، وهذه مشكلة كبيرة بدأت تستشري في المجتمع، فأصبحت هذه الدروس هي السبيل للحصول على النجاح والتفوّق، وللوقوف على أسباب الظاهرة التقينا عدداً ممّن لهم صلة بالعملية التربوية واستطلعنا الآراء في ذلك الموضوع وبدأنا برأي الشرع, فأجابنا السيد محمد الموسوي/ رئيس شعبة الاستفتاءات في قسم الشؤون الدينية, وكان هناك أكثر من جواب: أولاً: إنّ التدريس الخصوصي يجوز بحدّ ذاته. جواب ثاني: مع اشتراط عدم التدريس التخصصي للعقد الوظيفي حرّم. جواب آخر: إذا كان المدرس الخصوصي يؤثر في مستوى الطرح داخل المدرسة حرّم. وكان راي الأستاذ جلال محمد علي/ مدير إعلام تربية كربلاء: إن السبب في هذه الظاهرة أن هناك بعض الطلاب حينما يصل إلى المراحل المنتهية يلجأ إلى هذه الدروس باعتبارها وسيلة تنجيه من هذه المرحلة وأحياناً هناك تنافس أو ما يسمى بـ (الغيرة) بين الطلاب يدفعهم إلى ذلك، إضافة إلى أن عدد الطلاب كبير في الصف الواحد فحينما يطرح المدرس المادة بعض الطلاب لا يستوعبون الدرس وفي الوقت نفسه لا ييستطيع المدرس إيصال المادة إلى هذا العدد الكبير لذا يلجأ الطالب إلى التدريس الخصوصي. لكلّ ظاهرة هناك حلول أضاف الأستاذ جلال أنه في السنوات الأخيرة قام مدير تربية كربلاء بالتعاون مع العتبة الحسينية المقدسة بفتح دورات لكلّ الدروس وبأسعار رمزية، واختاروا لها عيّنة من المدرسين والمشرفين الأكفاء اذ استقطبت عدداً كبيراً من الطلبة من كلا الجنسين واستفاد منها الأهالي وخاصة ذوي الدخل المحدود، وكان لها الدور الفعّال في التقليل من الدروس الخصوصية. ويعزو الأستاذ أحمد ذهيب/ مديرية تربية كربلاء/ الإعلام التربوي, السبب في هذه الظاهرة: هو أن محافظة كربلاء تختلف عن محافظات العراق الأخر لوجود الزيارات المليونية الأمر الذي أدى إلى قطوعات الطريق ومن ثمّ تعطيل الدراسة, واستعرض الحل حينما قال: ننصح الطلاب إلى متابعة الفضائيات التربوية لأنها تعرض دروساً وافية جداً لكلّ المناهج وخاصة الصفوف المنتهية ليعوضوا ما فاتهم من الدروس. وفي السياق نفسه قال الأستاذ ماجد جاسم الكروي/ مدير إعدادية الاقتدار: إن الدروس الخصوصية ظاهرة انتشرت في العراق عموماً وفي كربلاء خصوصاً، ولها أسباب منها المدرسون، ومنها أولياء الأمور، فبعض المدرسين لا يطرحون المادة بشكل جيد مما يضطر الطالب إلى أن يلجأ إلى الدراسة عند هذا المدرس. وتابع الكروي: صحيح أن المدرس يعرض خدماته مقابل مبالغ مالية، ولكن أعتقد أن 99% من أولياء الأمور هم مَن يساهمون في دعم هذه الدروس، فوليّ الأمر لا يركز على ابنه ولا يسأل عن مستواه ولا يتابعه في المدرسة فإذا جاءت النتيجة بالفشل ألقى بمسؤولية أولاده على عاتق المدرس الخصوصي، ليتخلّص هو من المسؤولية. وأكد بأنه ضدّ الدروس الخصوصية, ويفضّل الكروي أنه على المديرين محاسبة ملاك المدرسين التابع لمدرستهم وذلك بعقد الاجتماعات الدائمة لهم ومنعهم من أخذ الدروس الخصوصية، وطالب بتكاثف الجهود بين مديري المدارس والتربية والإشراف والطلبة وأولياء أمورهم للقضاء على هذه الظاهرة. القانون موجود لكن الأفواه صامتة أشار الكروي إلى أنّ هناك قانوناً موجوداً لمحاسبة المدرسين الذين يتقاضون مبالغ مقابل الدروس الخصوصية، لكن قباله أفواهاً صامتة لا تُبلغ عن هذه الحالات؛ لذا لا يستطيع القانون محاسبتهم لعدم وجود الإثبات. وشاركه الرأي الاختصاصي التربوي عقيل خضر عباس/ اختصاصي لغة عربية ورئيس نقابة المعلمين في قضاء الهندية حيث قال: إنها ظاهرة راجت مؤخراً في نهاية العقد التسعيني فالتدريس الخصوصي بحدّ ذاته جهد إضافي مقابل أجور لا غبار عليه، لكن حُرّم بعنوان آخر وهو أنّ المدرس في قبال أخذ الأجور يبذل جهداً إضافياً وعليه أن لا يقصّر في أداء واجبه قانوناً وشرعاً تجاه المسؤولية الوطنية، فالمدرس هو الراعي للثقافة, والمثقف هو الذي يأخذ من كلّ علم بطرف ومن هذه العلوم الفقه، فعليه أن يعرف ما هو الحلال والحرام ويعمل به، وأن يعرف أن القانون السائد في الدولة محترم من وجهة نظر الشرع. وشدّد على أن المدرسين هم البُناة والرعاة، ومن مسؤوليتهم تنشئة هذا الجيل وتعليمه ، ويتحتم عليهم الابتعاد عن هذه المسألة. هي مسألة تباهٍ وتفاخر تابع الأستاذ عقيل أنّ هناك بعض أولياء الأمور يتقاتلون من أجل الحصول على المدرس الخصوصي الفلاني لأولادهم، وكأن هي مسألة تباهٍ وتفاخر وأشار إلى أن الذي يدعم هذه العملية ليس الطلبة وإنما أولياء الأمور، فقد يقصّر المدرس ويضغط على الطالب حتى يستجلبه ليدخل عنده، ولكن هؤلاء المدرسين لا يملكون القوة الكافية على التأثير في الطلبة. واستعرض الحل لهذه المشكلة، إذ قال: نحن عندنا كثرة في الطلاب وقلّة في البنايات فعلينا التفكير بتوسيع عدد المدارس في المحافظة، وإصلاح المدارس المتهرئة لإيجاد صف نموذجي يحوي عشرين طالباً ويكون الدوام أحادي ويستمر حتى الثانية بعد الظهر، عند ذلك يستطيع المدرس إيصال دقائق الفكرة بنفسية هادئة وعطاء أكثر، فيأخذ الطالب حقّه ومستحقه من الدرس. وأشار إلى أنه يجب إدخال المدرسين دورات داخل القُطر وخارجه بحيث تكون في أوقات العطل الرسمية وليس في أوقات الدوام، ويجب أن نلجأ إلى التخطيط الذي هو أساس النجاح لكي نقضي على هذه الظاهرة. وفي لقائنا مع عدد من الطلبة وجدنا أن أغلبهم درسوا دروساً خصوصية وعلمنا أنّ هذه الظاهرة متفشية في شريحة كبيرة من المجتمع بسبب رغبة أولياء الأمور بحصول أولادهم على معدل يؤهلهم للكليات العالية (الطب، الهندسة) حتى وإن كان هذا ضدّ رغبة أولادهم. تقول إحدى المدرّسات: الدروس الخصوصية طريقة رائعة لكسب المال، ولكن خسارة للنفس، وهي تعود سلباً على المدرس الذي سيكون في عزلة اجتماعية من الصباح حتى المساء، ولا يستطيع التواصل مع المجتمع. إضافة إلى أنها تمثل العبء الثقيل على دخل الأسرة الذين يعانون من المصاريف الهائلة، فإذا كان للأسرة ثلاثة أو أربعة طلاب فماذا سيفعل ولي الأمر في هذه الحالة؟ فالذي نرجوه من الجهات المختصة النظر بعين الاعتبار لهذه المسألة ووضع الحلول للقضاء على هذه الظاهرة. إنّ الدروس الخصوصية هي بمثابة مُعين يساعد الطالب على الارتقاء بالمستوى العلمي، فإذا كنت بحاجة لهذا المُعين فاستند إليه، وأمّا إذا كنت تستطيع الارتقاء من دونه فتوّكل على الله تعالى وسيكون النجاح حليفك.