رياض الزهراء العدد 158 منكم وإليكم
فَوْضَى المَقَايِيسِ
القياس معرفة قدر أحد الأمرين بالآخر، ومنه يستدلّ على حقيقة الآخر، ولكلّ أمر مقياس معيّن ونسبة معينة تحدّده، وفق معايير معينة تسنّها الكتب أو بالاتفاق أو نجدها صريحة بكتاب الله(سبحانه وتعالى) والأحاديث الشريفة. القاعدة هي وجود معايير معينة تتضمّن مجموعة من الدرجات لكلّ أمر، سواءً كان ماديًا مثل درجات الحرارة والجمال وغيرها، أو معنوياً كالأخلاق والدين والالتزام وغيرها. والمقاييس اليوم مسلوبة الحقوق مغلوب على أمرها، فكلّها تخضع للذائقة الخاصّة للفرد، وهذا يقود إلى فوضى عارمة على حساب المجتمع نفسه، فتظهر مسوّغات عامّة للتنمّر والتعدّي، ومن ثمّ ولادة مشاكل نفسية غير متناهية، فعلى المستوى الماديّ نرى شعور الفرد هو الحاكم، ومَن يخالفه بالرأي يُتهم بعدم المعرفة أو الذوق والإحساس، وأحيانًا يتهم بأنّه شخص غير سوي من دون العودة للمقياس الحقيقي للأمر، فمقياس الحرارة له درجات معينة فيأتي أحدهم ويضرب المقياس عرض الحائط ليقول: إنّه من غير المعقول أن تكون درجة الحرارة هي هذه، فالجوّ أحرّ من ذلك، وحين يخالفه آخر يتّهمه بعدم الشعور، أو أنّه قد يعاني من مرض ما! من غير اللجوء إلى المقياس الخاصّ بها، كذلك معايير المقاييس المادية فهي أصعب في الوصول إليها من قِبل العامة من الناس، فالفوضى فيها ضعفان حيث أصبح من السهل التحكّم بها، فمن يخالف أحدهم بالرأي ينعته بالكفر أو الخروج عن الدين لأنّه يعتقد بهذا الرأي الذي قد يكون مخطئاً فيه وفق المقاييس الدينية الحقّة، وكذلك الأخلاقية، فما دام الشخص مقربًا فهو مستثنىً من القواعد، فيُباح له الشتم والتلفّظ بألفاظ نابية، أمّا العكس فبمجرد أن يتفوّه بأمر ما، يُنعت بنقص الأخلاق، مثلما نرى العديد من الأشخاص يعبثون بالمقاييس هنا وهناك، هذا لأنّ المجتمع مقياسه الوحيد هو المزاج، واتّباع ما تمليه عليه رغباته الذاتية، بدافع الضحك، أو بدافع إثبات الوجود أو دوافع أخرى. من الضروري لمَن يريد أن يخرج من تلك الفوضى أن يضع معايير عقليّة ومنطقيّة ويعززها دينياً ليكون خارج إطار تلك الفوضى، ومن ثمّ يمكنه الوقوف أمام هذه الزوبعة التي تقود المجتمع إلى التشتّت والضياع، حتى لا يكون نسخة مشابهة لكثير من أفراد المجتمع، فـ: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)/(الرعد، الآية: 11).