رياض الزهراء العدد 158 منكم وإليكم
لَا تَكُونِي جَمِيلَةً
عندما تعطش الروح فلابدّ من أن تُسقى.. وكلّ سقاية تختلف من شخص إلى آخر، فروحي دائمة العطش لزيارة سيّدي ومولاي الإمام الحسين(عليه السلام) وهي لا ترتوي إلّا بتقبيل أعتابه الطاهرة.. واستنشاق عطر تلك الروضة الغنّاء والدوحة المحمّدية.. وهاهو قد آن وقت اللقاء، ستهيم روحي في تلك البقعة الملكوتيّة.. وبينما أنا أعيش لحظات الفرح تلك، سمعت صوت والدتي: هيّا يا عزيزتي سنتأخر.. أجبتها من فوري: ها أنا ذا يا أمّي... وبدأتُ أنزل من السلالم ونظرات والدتي تلاحقني.. وترمقني بنظرة تعجّب! اقتربتُ منها..أحسست أنّ هناك خطباً ما! قلت: أمّي ما بكِ حبيبتي؟! هل هناك شي ما؟! أجابت وبنظرة العتاب تحدّثني : جميلة هي تلك العباءة التي ترتدينها، فهي تمثّل الحجاب الذي دعا إليه الدين الإسلامي وحثّ عليه الشارع المقدّس، إلّا أنّ هذا الخمار الذي ترتدينه تحت عباءتكِ لا يمتلك المعايير التي حثّ عليها الشارع المقدّس، فلونه يجذب النظر. -: أمّي حبيبتي "ولكنّني أحبّ هذا اللون، وبصراحة عندما أرتديه أبدو جميلة جدًا". ابتسمتُ لأمّي واعتقدت لوهلة أنّني قد أقنعتها... لكنّها حدّقت بي بنظرة أكثر حدّة هذه المرّة وقالت: "ومَن قال إنّني أحبّ أن تكوني جميلة خارج المنزل ؟!، وما فائدة العباءة إذن؟! لو كانت النية معقودة أصلاً: أن أبدو جميلة في عيون الآخرين ؟؟!" رنّت كلماتها في أُذني ووقعتْ على قلبي كالصاعقة التي أعادتني إلى رشدي. أخذت أمّي بيدي بحنان وربّتت على كتفي وقالت: بنيّتي إن أردنا أن نعرف الحجاب، فكيف نعرفه؟؟ أطرقت إلى الأرض خَجِلة من سؤالها. فاستطردتْ: إنّ الحجاب هو الوسيلة التي تدفع عنّا النظر.. لا أن تُلفِت إلينا الأنظار! ولربّما تتساءلين في نفسكِ إنّ الفتيات يضعنَ المساحيق والعطور.. وأنا لم أفعل شيئاً سوى كونه بلون برّاق قد أعجبني.. فطأطأت برأسي -: لا يا بُنيّتي ..لا تقارني نفسكِ بهنّ.. بل قارني حجابكِ بحجاب قدوتكِ.. السيّدة الزهراء(عليها السلام)، وابنتها فخر المخدّرات زينب(عليها السلام). إنّهنّ القدوة.. وهنا يجب أن تكون المقارنة.. تلعثمتُ بالحروف، وأحسستُ أنّ لساني قد عجز عن الكلام.. ولكنّ عيوني هي مَن ترجمت خجلي وأسفي.. بيدها الدافئة الحانية.. مسحت من على وجنتي دمعة الخجل والندم. وقالت: حبيبتي لا تكوني جميلة في الظاهر.. بل كوني جميلة القلب والسريرة.. فالله(سبحانه وتعالى) مطّلع على النيّات.. وهو أقرب إلينا من حبل الوريد.. قبّلتها، واحتضنتها وهمستُ إليها.. أشكركِ يا أمّي.. فتاتكِ فهمت الدرس ووعته.