رياض الزهراء العدد 158 منكم وإليكم
ضَمِيرٌ وَإِنْسَانٌ
كان يا ما كان في سالف العصر والأوان، كان هُناك صديقان متلازمان يعيشان مع بعضهما، الأول يُدعى (إنسان) والثاني يُدعى (ضمير) يعيشان على أرض واسعة خضراء جميلة زاهية، كان يُحبّهما كُلّ مَن كان على هذه الأرض، وكان هُناك شخص ثالث يُدعى (خبيث)! وكان يكرهُ أن يرى الصديقين (إنسان وضمير) متفاهمين، كان ماكراً... ففكّر في حيلة ما يجعل بها الصديقين يتخاصمان؛ فهو لا يحبّ أن تكون هذه الأرض خضراء مزدهرة، وإن بقي (إنسان وضمير) متفاهمين فلن يقدر على خرابها، وجد (خبيث) حيلة ليكلم (إنسان) ويقنعه بأنّ (ضمير) يقول للجميع: إنّه يسيطر عليه، وإنّه تحت حُكمه، وإنّ (إنسان) ضعيف، وليس له رأي! وظلّ (خبيث) يوسوس لـ (إنسان) ويقول لهُ: أنتَ لا تستطيع أن تفعل ما يحلو لكَ! فإنّ (ضمير) قيّدكَ! وأنتَ ضعيف، حتى الحيوانات تسخُر منكَ، لأنّهم أحرار وأنتَ تحت إمرة (ضمير)! غضب (إنسان) من هذا الكلام، وقال لـ (خبيث): إنّي حُرّ، وسوف ترى... وأوّل شيء فعله وهو في حالة غضبه أن ضرب صديقه (ضمير) وقال له: منذ اليوم نحن متخاصمان وأنتَ لست صديقي! حزن (ضمير) ممّا قاله صديقه (إنسان) وظلّ كئيباً... وسمع سكّان أهل الأرض الخضراء من حيوانات وأشجار وطيور وأزهار، فاجتمعوا وقالوا: يجب أن نفعل شيئاً بهذا الخصوص، لأنّ في خصام (إنسان وضمير) هلاك هذه الأرض... فقرّروا الذهاب إلى (شجرة اليقطين)... كانت تلك الشجرة كبيرة بالعمر وحكيمة، وتعرف الكثير عن الصديقين... ذهب الجميع إلى العجوز (اليقطينة) وقصّوا عليها ما جرى بينهما، فبقيت الشجرة (اليقطينة) تفكّر: يجب أن نخاصم (إنسان) ولا نشاركه أفراحنا ولا أحزاننا ولا ننصحه! فقال الجميع (لليقطينة): لكن هذا سوف يجعل (إنسان) يخسر كلَّ شيء، ولن يجد أحداً يسانده؟! فقالت: هذا ما أريده بالضبط، عندما يخسر (إنسان) كُلّ شيء، فأوّل مَن سيبحث عنه هو صديقه (ضمير)، وإذا رجع (إنسان) وتصالح مع صديقه، فسنكون نحن بأمان! نحن سُنراقب (إنسان) عن كثب. كان كلام العجوز (اليقطينة) صحيحاً... فلم يستفد (إنسان) من مصاحبة (خبيث) إلّا المعاناة والخراب، كانوا كلّهم يراقبون ما سيفعله (إنسان) بعد مصاحبة (خبيث)... وبالفعل خسر (إنسان) كلّ شيء، حتى أصحابه، وبقي وحيداً، ففكّر إلى مَن يلتجئ يا تُرى، ومَن سيساعدُه؟! فقرّر أن يذهب ويستشير العجوز (اليقطينة)... وذهب (إنسان)... فقالت له (اليقطينة): أتريد أن تعود مثلما كنتَ، مليئاً بالنشاط والحيوية؟ وأن يحبّكَ الجميع مثلما كنتَ في السابق؟ فقال: نعم. فقالت (اليقطينة): أوّل شيء تفعله هو أن تتصالح مع صديقكَ (ضمير)! ففكّر (إنسان) في كلام (اليقطينة)، وتذكّر كيف كانت حياته جميلة بمصاحبة ذاكَ الصديق الوفي، وكيف كان ينصحه، وليس مثل (خبيث) يحثّه على أشياء قد دمّرت حياته... وعاد (إنسان وضمير) صديقين مثلما كانا في السابق، ويعود الفضل كلّهُ إلى العجوز (اليقطينة) وحكمتها... فهل إنساننا اليوم قد صَادَقَ ضميرنا؟