رَاحِلٌ إلى البَيَاضِ

زهراء سالم/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 199

ليلةٌ من ليالي الحزن العميقة عزمَ الفؤاد على الرّحيل إلى حيث بغداد جسدٌ توشّح بالسواد وقلبٌ فاضتْ به مشاعر الأسى لا يعلم ما جرى غير أنَّه يريد السفر إلى ذلك المكان ما هي إلّا أيَّام ووقفتُ على مشارفها الألم اعتصرني وأنا أرى كأنَّ أزقّتها تهوي على بعضها البعض ماذا يجري؟! تكادُ تخلو من الخَلْق لا أحد فيها سوى تلك الجدران القائمة والبيوت الساكنة السّماء غير السّماء كأنَّ عاصفة حمراء تكتسحها أخذتُ أتجوّل بين أزقّتها علّني أجدُ أحداً يُرشدني إلى بيتٍ من بيوت وجهائها سرقني الوقتُ وأرخى الليلُ ببردته على العالم، دبَّ الصمتُ في الأرجاء أوقدتُ قنديلي وواصلتُ طريقي، وأنا أوزّعُ شتات نظراتي على دُورِها وبينما أنا كذلك وإذا بنورٍ يخرجُ من أحد الدُور، كأنّ القمر سقط في باحته وتناثر ضياؤه هُرِعتُ إلى تلك الدار طرقتُ الباب وإذا بصوتٍ ضعيف يأذن لي بالدخول دخلتُ وليتني لم أدخل شابٌ ضعيف تعلوه ملامح الهيبة والوقار، وأمامه إناء فيه عنقود عنب، جلستُ عنده أراه يتألّم... وبينما أنا كذلك اشتدّ ألمه، وتغيّرت ملامحه، فتوقّفَ الكون، ودبّ السّكون، توجّه إلى القبلة، وأخذ ينطق بالشّهادتين، وما إن أتمّهما حتّى بادرته سائلاً: مَن تكون؟! فأجابني: أنا محمّد الجواد أنا خير العباد توقّف كياني...كأنّ جبال الدّنيا ألقت بثقلها عليّ، صفعتُ الخدَّ، وعيناي سحابتان تمطران دماً، تبعثرت حروفي عن نظم الكلام غير أنّها صرختْ سيّدي، إلى أين؟! راحلٌ إلى البياض يومٌ لبست فيه الدّنيا رداءها الأسود، وأثقلت سُحُبها حتى أمطرت دماً، وانخسف القمر، وتناثرت النّجوم حزناً على شباب الأئمة، فبات الكون على وسادة الحزن لأنّه فقد أحد أركانه، أمّا أنا فغادرت روحي مذ غادر سيّدها، وهجرتْ ذلك الجسد البالي الذي لا يملك لنفسهِ ضرّاً ولا نفعاً.