رياض الزهراء العدد 158 صحة العائلة النفسية
أَزْمَةُ اهتِزَازِ القِيَمِ وَالأعْرَافِ لَدى الشَّبَابِ
القيم هي منظومة نسقية، تضمّ مجموعة من المبادئ والقواعد والأعراف التي تحكم السلوك، وهي المعيار الرئيسي في صياغة السلوك وتوجيهه على نحو يخدم المجتمع، وإذا اختلّ النظام القيمي واهتزّ، فإنّ الإنسان يفقد توازنه النفسيّ والاجتماعيّ، ويصبح تابعاً، وليس له قرار شخصيّ، وإنّ مصدر الأزمة هو التعارض بين القِيم المتصلة بالحياة والموجهة للسلوك، وبين الممارسات على أرض الواقع. يمرّ شبابنا بتحوّلات مريبة على مستوى منظومة القِيم، إذ أصبح يتماهى مع كلّ وافد من القِيم، وإن كانت متعارضة مع قِيمه ومرجعيته الثقافية، ومحاولة استدماجها عن طريق سلوكيات تتجسّد مثلاً في اللباس والأفكار وغيرها، كلّ ذلك يعبّر عن التوجّه نحو الاغتراب عن الواقع، وهذه الظاهرة طالت كلّ الناس وفي مقدّمتهم الشباب؛ ومن ثمّ تفشّى في أوساطهم الإدبار عن قيمهم الأصيلة، والإقبال على اتباع القيم الفاسدة في السلوك، سواء كانت محلّية أو وافدة، لدرجة أصبح معها الشباب لا يفكّرون إلّا في إشباع الحاجات المادية والغرائز، كلّ ذلك نتيجة الانفلات والتشتّت والتناقض في القيم، فانعكس ذلك سلباً على الشباب، حيث وجدوا في واقعهم قِيماً مادية متدنية اعتاد الناس التعامل بها مثل الرغبة في الثراء السريع أو الكسب غير المشروع، أو الرشوة والمحسوبية، على الرغم من كونها قيماً فاسدة إلّا أنّهم يُقبلون على التعامل بها وممارستها، ومع طول الزمن تُصبح تلك القِيم واقعاً مألوفاً، وهكذا تحلّ القيم الفاسدة محلّ القيم الصالحة. ويساعد الشباب على الانخراط في هذه التحولات القيمية عوامل نفسية تتبع المرحلة الانتقالية التي تحمل في طياتها القديم الذي خرجوا من رَحمه، والجديد الذي يتّجهون إليه، ولكلّ من الاثنين خصائصه التي تميّزه والتي قد تصل إلى درجة التعارض الذي قد يأخذ بدوره طابعاً حاداً إن لم يجد توجيهاً حكيماً وراشداً، وأبرز خاصية يتميّز بها الشباب هي الطموح الجامح، والتطلّع إلى مستقبل ذي أفق واسع الرغبات، لا تحدّه حدود، وهذا من شأنه (مع الفراغ القيمي) أن يحدث اهتزازاً في النفس واضطراباً في السلوك، وإنّ هذه المرحلة تفتقر إلى الاتزان والاستقرار، وتتميّز بالاندفاع والحماس الزائد، فإنّ الشباب –إذا أُبقي على التناقضات بين القِيم والممارسة في الواقع– ستتعمّق الهوة بينه وبين قيمه الدينية والوطنية، وسيصبح على كامل الاستعداد للانقياد إلى كلّ السلوكيات، لدرجة التماهي وذوبان الشخصية، والانسلاخ من الجلد، ولعلّ من الأسباب المباشرة في إفراز الظاهرة ضمور دور المؤسسات التربويّ من: (الأسرة والمدرسة والمجتمع). إنّ السبيل إلى تجنيب أبنائنا أزمة القيم، هو العودة إلى التشبّث بقيمنا الثابتة ومُثلنا العليا، والعمل على ترسيخها بالسلوك النظيف؛ لأنّ التناقض بين الأقوال والأفعال يؤدّي إلى زعزعة الثقة في النظام الاجتماعيّ.