أَنَا الّتِي قَتَلْتُهُ
نعم، أنا تلكَ القاتلة التي طالما قُمتم بِلعنِها.. أنا لستُ هُنا للدفاعِ عنْ نَفسي ولا للندم أو للتكفير عن ذنبي، لأنّ الأوان قد فات على كُلّ هذا، أتيت اليوم كي أخبركم بما حدث في ذلك اليوم؛ ذهبتُ ذات يوم إلى عمّي المعتصم، وشكوتُ له زوجي الجواد، فأشار عليّ بأن أقوم بقتله، فأجبته إلى ذلك من فرط غيرتي وحقد عمّي عليه، فجلسنا نُخطّط وبدأ الحقد يسري في دمي، لأنّه كان يميل إلى زوجته أمّ الإمام عليّ النقيّ(عليه السلام)، بينما كنتُ أغلي من فرط غيرتي وكُرهي لهما، خطّطنا لكلّ شيء وجاء اليوم المنشود، في الآخر من شهر ذي القعدة. ذهبتُ إلى عمّي المعتصم وأخذتُ منه السمّ، ووضعته في طبق العنب الرازقيّ، وقدّمته للجواد، فنظر إليّ نظرةً تنهدّ الجبال الرواسي من هولها، وبعدها أخذ حبةً من العنب وتناولها، وبدأ يأكل حتى تناول بضع حبّات، ولم يمضِ من الوقت إلّا القليل حتى أصفرّ وجهه، فقال لي: أريد ماءً، فلم أعطه، وأعادها ثانيةً فلم أجبه، وبعدها رأيته يتلوّى ألماً، وبدأتُ بالبكاء، فنظر إليّ وقال ممّ بكاؤكِ؟ ووالله ليضربنّكِ الله بفقر لا ينجبر، وبلاء لا ينستر؛ فأجهشتُ بالبكاء وخفتُ كثيراً من دعائه عليّ؛ لأنّ أبي كان قد ترك أذاهم خشيةً من دعائهم عليه؛ للحفاظ على ملكه. وبعد لحظات نظرت إليه، ووجدته قد انهدّ رُكنهُ، وعَرَقَ جَبينُه وهدأ أنينه، فابتعدتُ عنه وقمتُ بالخروج من المنزل، وأقفلتُ الأبواب جميعاً، وتركته وحيداً يُصارع الموت، وعدتُ بعد ثلاث أيام فوجدته مطروحاً فوق سطح المنزل في حرّ الشمس، وكانت قد فارقت روحه الدُنيا، لم أكن أعلم ماذا أفعل! ولن ينفعني الندم الآن، لقد كان شاباً في الخامس والعشرين من عمره، يا إلهي لقد قَتَلتهُ، أنا القاتلة، لقد أيتمتُ أطفاله، وأغضبتُ الله بقتله، أنا التي قطّعت كبده. فبَدَلاً من أن أُجازي إحسانه بالإحسان، فقد كبرتُ في بيته، لكنّني لم أتعلّم منه أشياء، لم أتعلّم إلّا الحقد والكره من والدي وعمّي، والآن ليس بيدي حيلة، قُتلَ الجواد وبقيت أنا، أُصبتُ بمرض لا ينستر، فأنفقت جميع أموالي عليه ولكن من دون جدوى، فأصبت بفقرٍ لا ينجبر، أنا أستحقّ هذا، نعم فهذه هي عاقبتي وعاقبة من آذى آل مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم). أنا أمّ الفضل التي عاقبني الله في الدنيا ولا أزال أُعاقبُ.