المِرْآةُ المُحَدَّبَةُ

رقيّة عاشور التقيّ/ البحرين
عدد المشاهدات : 290

قد تكتسي الأمور من حولنا ثوبًا جديدًا في كلّ حين، تخلع رداءً وتلبس آخر وفق متطلّبات كلّ مرحلة زمنية، وتتلوّن وفق مجريات الأحداث، ولكن "الأنا" فيها حاضرة باقية. فالأسطورة بالأمس، هي اليوم عمل مؤسّساتي!! والحكواتي الصانع للتشويق والإثارة، تراه اليوم ماثلًا أمامكَ في مشهد متحرّك، تعيش أحداث قصته في العالم الافتراضي وكأنّكَ تعيش معه. وما كانت تفعله تلك الجارة في كلّ حيّ من ثرثرة ونقل للشائعات، هو بعينه ما تفعله أناملنا من قصّ ولصق لتلك الرسائل المتداولات. وما كنّا نتذرع به لقبول كلامها لنتناقله لَوْكًا باللسان من أنّه ما من دخان من غير نار!! اشتعل وهجه ليقسم عليكَ بنشره لتكون في أمان، وأنتَ منه في اضطرام!! والحكاية هي حكاية تلذّذ، وخوض في خصوصيات الآخرين!! (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِه)/(النساء، الآية: 83). ذياع ونشر للجهل والضلال، غابت فيه لغة العقل، ودُغدغت فيه المشاعر، ولُعب على أوتارها؛ ليتمّ الترويج لها كيفما يريده المغرضون، وأصحاب النفوس المريضة من ضعفاء العقيدة، إسقاطًا منهم لضغائنهم الدفينة في بؤرة الفراغ والجهل والبساطة والسذاجة، ليرتدّ قعرها تحديبًا في شياع؟ حتى باتت عبارة "كما وصلني" إخلاءً لما في الذمّة ممّا يعتقده بعض الناس، فيذيّل بها ما يريد إرساله من دون تفكّر في النتائج المترتّبة عليه، التي قد تكون هتكاً للحرمات، ووهناً للعلاقات، وتهديمًا للبيوتات، وتشريداً للعائلات، وإسقاطاً للأمم، فضلاً عن الكذب والافتراء على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وآل بيته(عليهم السلام)!! ولو تريثنا قليلاً، وعلمنا أنّه "كفى بالمرء إثماً أن يحدّث بكلّ ما سمع"(1)، فلو وأدنا الشائعة في مهدها، ولو تحرّينا المصدر فلربّما كان الجائي به فاسقًا فنتبيّن!! ولو تكاتفنا لدحض الفتن، لعشنا في أمان. ولنُحسن الظنّ بالله(سبحانه وتعالى)، ونحمل إخوتنا على سبعين محمل لنكون كالبنيان المرصوص، الذي ما فتئت تصنع مجده تلك المدرسة العظيمة المتمثّلة في الأمّ المؤمنة المثقفة الواعية، المُميّزة للحقّ من الباطل، الساعية إليه. .......................... (1) ميزان الحكمة: ج8، ص404.