لَيْسَ الأَمْرُ سَهْلاً!

خديجة عليّ عبد النبيّ
عدد المشاهدات : 196

أن تكون كاتبًا يعني أن تتحمّل عبء قراءة العيون، وتفهم وقع رنّة الحرف حينما يذوب في الهواء عابرًا نحو صدركَ، وأن تكون لوحدكَ مَن يرى أنّ للكلمة أذرعاً قد تحتضنكَ أو أقداماً لربّما تركل قلبكَ أو تدوسه بِلا رحمة، أن تنشب مشاعرك بالأماكن بل حتى الثياب! فلا يفهم البعض لِمَ لمْ تعد ترغب بارتدائها مرّة أخرى! أن تختلف حواسّكَ عن الباقين، فترى للعطر وجهاً غائباً، وللّحن الجميل أزهاراً تتفتّت في أوردتكَ، أن تبتسم بشغف لعصفور يقفز على شجرة وتُطيل التحديق بمرح في عيون قطّة عابرة، وتطرب لغيمة تسبح فوقَ رأسكَ في الفضاء مبتعدة على مهل، أن تشعر ألف مرّة.. وكأنّ لكَ أفئدة عديدة في فؤاد واحد.. لكَ أن تتخيّل ماذا يحدث لشخص كهذا حينما يحزن! أن تكون كاتبًا هو أن يكون باستطاعتكَ أن تُذيب الجليد الذي يُحيط بالأرواح لتحرّر سرب الفراشات منها، من أعماق الصدور التي حطّت بأجنحتها على حروفكَ وجُملكَ، معيدةً تشكيلها تسكيناً هادئاً لا جراً أن تصمت كثيرًا بينما يغرّد عصفور قلبكَ في ساعته وإن كان مكسورًا! أن تتسرّب حياة الآخرين إلى مجرى حياتكَ فتمسّها لتكتب عنهم قاصدًا نفسكَ.. أن ترى الملائكة ليلاً وهي تلمع كفضة القمر بمناديل تُصبح وردًا فيما بعد، أن تراها تنفث نجومًا على أوتار العشب وأوتار القلوب ترنيمة مطر رحّال، تشتركان وهو في سلالة السبيل فتفهمها وحدكَ.. أن يسرّ الكون لكَ بسرٍّ أزرق يتوّجكَ فتبتسم وتبكي في آن واحد! أن تشعر بوجود عوالم كثيرة تخترق عالمنا هذا فترى المشاعر طافيةً حول الأجساد كنهاية ضوء يسير في الظلام، شيء لا يُدركه غيركَ.. شيء يشبه الأساطير وكأنّكَ المختار من بين المئات كي تتلقّاه.. كي تتعثّر روحكَ به.. أن يُصبح العابرون غير عابرين! لأنّهم لا بدّ من أن يتركوا فيكَ أشياء لا حيلة لكَ بحدوثها، إمّا عطر ورود أو كدمات أنياب خفافيش مظلمة! أرأيتَ كم الأمر معقّد بعض الشيء!