المَرأةُ العَربِيّةُ الإعلاميةُ
تَخرُجُ مِنْ عُزلَتِها تَدريجيّاً وتَنحى نحوَ فَهمِ الواقِعِ الإعلاميّ وتطويرِهِ وَفق أُطُرِ المُسَاواةِ مَعَ الرَّجُلِ حين فتح الإعلام أبوابه في وجه المرأة، فوجئت نون النسوة بأشياء كثيرة، منها صياغة خصوصية الحياة الثقافية لها، لتكن المفاجأة الأكبر هي تلك القوالب التي غمرت بها صورة المرأة في الصحافة، بعد أكثر من عقد من الزمان، ما تزال المرأة في وسائل الإعلام هي مَن تتصدَّى لتلك التحدّيات، وما تزال مملكة صاحبة الجلالة تغصّ طرقاتها بالكثير من التحدّيات التي تقف أمام المرأة الإعلامية على الرغم من مشاركة الرجل في الكثير من المواقع الإعلامية. لتسليط الضوء على كافة جوانب المرأة الإعلامية وأبعادها، طرحت مجلة رياض الزهراء سؤالاً استبيانيًا: هل الإعلام العربي أنصف المرأة عندما خصّص لها الإعلام النسويّ؟ تَأثِيرُ الهُويّةِ والانتماءِ تبيّن (هدى جاسم) التي تعمل في مجال الصحافة في إجابتها: أنّها ليست من المتحدّثين عن إعلام نسويّ بالمطلق، فالصحافة أو الإعلام بشكله الأوسع إعلام فيه عاملون ينتمون إليه من الرجال والنساء، يختلفون في المواقع ومستوى العطاء والتخصّص بناءً على مهارة اكتسبوها من العمل أو الدراسة، بغضّ النظر عن الجنس؛ لكن في كلّ الأحوال التغييرات في العالم تستمرّ لتشمل تغييرات في الوسائل الإعلاميّة، فإذا ما سردنا تاريخ الإعلام فسنجد التطوّر في كلّ لحظة خصوصًا بعد دخول وسائل التواصل الاجتماعيّ الذي جعل من فئات عمرية مختلفة إعلاميين وإن لم ينتموا للإعلام بوصفهم متخصّصين فيه، فهم ينقلون الخبر ويروّجون للأفكار وَفق أجندات خاصّة أو أجندات تنتمي لمجموعة ما؛ أو قد تكبر لتعبّر عن ترويج لمصلحة تجارية أو ثقافية أكبر. والمهمّ في كلّ هذا التطوّر من إذاعة وتلفزيون ووسائل تواصل أخرى أنّها دخلت إلى البيوت والسيارات وسارتْ في الشوارع؛ بل إنّها تذهب إلى سرير الفرد لنجده يبحث عن فكرة أو معلومة قد يروّج لها وهي ربّما تقترب أو تبتعد عن أفكاره لنجده قد تبنّاها بشكل أو بآخر عبر الترويج لها بعلم وتخطيط أو من دونهما، وهو الفرد أو المجموعة لا نعلم إن كانوا نساءً أو رجالاً فهُوية العامل خلف هذا الترويج هي (مجهول الهُوية) حتى وإن ظهر اسم أو صورة له، فالتطوّر منحه هذا الاختباء خلف جنس غير محدّد. أمّا إذا دخلنا إلى المجال التخصّصي في وسائل الإعلام ومع كلّ التغييرات الحاصلة فللمرأة دور مهمّ فيه، فهي في الظروف الصعبة كانت لها بصمة، فكيف لهذا الدور أن يكون مع كلّ المتغيرات الحاصلة في الفكر والمضمون والترويج لهما عبر كلّ الوسائل المتاحة أمام الجميع؟ فالصحفية قبل أكثر من 30 عامًا عملت في ظروف صعبة وما تزال إلى الآن، خصوصًا في ظلّ ظروف العراق الذي تحكمه الآن مفردات كانت إلى وقت ليس ببعيد غريبة عنه، لكنّها إلى الآن تتسيّد بفعل أفكار دخيلة ساعد على إدخالها الترويج السلبيّ لتلك الأفكار، فأصبحت بعض النساء تتخوّف من المجازفة، وقد تختبئ أحيانًا بشكل أو بآخر خلف أفكار لا تؤمن بها من أجل أن تمضي بعمل ما في إحدى وسائل الإعلام، نضيف إلى ذلك فإنّ إحدى وسائل الإعلام وهو الإعلام المقروء صار محدودًا بفعل دخول التكنولوجيا؛ فصارت بعض النساء تخشى العمل في وسائل إعلامية أخرى خشية التأويل الذي أشرنا إليه عن مفردات غريبة دخلت العراق مؤخرًا، هذه الخشية التي كانت قد تحميها وسائل الإعلام المقروءة بشكل أو بآخر. لذا وإن كان واقعنا في العراق يختلف؛ لكنّني وبعد رحلة دامت أكثر من 30 عامًا في الإعلام كنتُ وما أزال أقول: إنّ التغيير حاصل بغضّ النظر عن جنس العامل فيه، فالكفاءة والتخصّص والجهد يحسب بحسب شخصية المنتمي لهذا العالم الواسع الذي سنجده كلّ يوم في حال جديد متطوّر ومتغيّر. قَوانِينُ أَمْ عَقْليّاتٌ؟ بدورها بيّنت السيّدة (أليسار الحاج يوسف/مقدمة برامج في قناة المنار) أنّ: العقليّة السائدة في المجتمع العربيّ التي لم تتقبّل مزاولة المرأة العمل في مهنة المتاعب رسمت الصحافة في المخيلة الثقافية والاجتماعية على أنّها مهنة الانفتاح والتواصل مع الناسِ؛ ولا يزال الرجل يرفض تقبّل خروج المرأة إلى العمل في الإعلام؛ لذا يجب على الإعلاميّة في هذا العصر الذي هي فيه جزء أساسيّ من معركة الوعي وترسيخه ومواجهة شتّى أنواع الحروب الناعمة التي تمارس في مجتمعاتنا، تصحيح الصورة المشوّهة ونقل الوجه الحقيقيّ للمرأة المسلمة التي لها رأيها ودورها، لا تلك الصورة التي ينقلها اليوم الفكر التكفيريّ للمرأة على أنّها مجرد سلعة من دون قيمة. وترى السيّدة أليسار أنّ تنامي طغيان هذه العقليات يعود إلى غياب القوانين التي تحمي المرأة في الفضاءات التي تشتغل بها. البَايُولُوجِيَّةُ المُحَايِدَةُ تشاطر الأستاذة (عبير أمين قنان)/إعلامية يمنية في قناة الرأي السيّدة أليسار في أنّ: المرأة بايولوجيًا هي أنثى؛ ولكن لماذا تتحوّل هذه الحقيقة إلى عامل حاسم ومحدّد لشرط المرأة الإنسانيّ والاجتماعي؟ فحدّدت المرأة بأنّها أقرب إلى الطبيعة منها إلى الثقافة، وأنّ كيانها يتحدّد بجسدها؛ أي بوجودها البيولوجيّ وما يترتّب عليه. وتؤكّد على أنّ البايولوجيا قد تقيّد سلوك الجنس (في مرحلة حضارية ما) ولكنّها لا تحدّده، وأنّ الاختلافات بين البشر من ذكور وإناث تعكس تفاعلات بين تركيبنا الجسديّ ونماذج حياتنا الاجتماعية، ولقد تمّ تفصيل (الشخصيّة الأنثوية) على مقاس دور المرأة المنزليّ في المجتمع الذكوريّ، وإنّ البايولوجيا بالنسبة إلى الإنسان لا تصبح مهمة إلّا عندما يتمّ تفسيرها طبقاً لمعايير الثقافة السائدة وتوقعاتها، التي تلاحظ المرأة على أنّها أقلّ شأناً في كلّ ثقافة معروفة، وقبل أن تكون المرأة أنثى هي إنسان ومن ثمّ فإنّ المرأة كائن إنسانيّ لا يقع خارج التاريخ ولا خارج المجتمع ولا يتشكّل أيضاً خارجهما بيولوجياً، فالمرأة أنثى ولكنّها قبل ذلك ومعه هي إنسان محكوم بشرطه الاجتماعيّ والتاريخيّ، الأمر الذي ينفي أو يضع موضع التساؤل على الأقلّ مقولة إنّ قضية المرأة خاصّة جداً ومستقلة جداً ومن ثمّ فأفقها مفتوح للتشخيص والفهم والاستيعاب، والخلل الذي ترسخ في المجتمع لصالح المرأة. وعليه حالما نرى صانع الكعك المتهالِك متّكئاً على جدران محلِّه القديم (الذي أصبح الآن مقهى حِرَفياً لحُبيبات الشوكولاته المقرمشة)، ندرك أن أيّ شخصٍ يبلغ سنّ الرشد في مجال الإعلام، يجب عليه إعطاء الفرصة للمرأة في الإعلام، وإلّا فأنّ تخصيص قضايا المرأة في إطار معين سيكون فكرة غريبة.