شَهِيدٌ

سلوى أحمد السويدان/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 149

أَيُّهَا البدرُ المسافرُ في حالكات الجوى.. أعرني من سنا عينيك دُعَاءً.. هل أنتَ حقاً بسابحات الفلك؟ّ! أم هذا القمر المُضرّج بالدماء.. كأنّك لوحة عشق تلوّنت بنجوم الرحيل.. فاحترف الرسم على نسماتها الشهداء.. بشغفٍ، بشوقٍ يكتبون على صفحات المجد أُمنيةً .. في سفينة لا تعبر إلّا من كربلاء.. يا كواكب الزمن الآفلة في ربيع الأيام أخبروني ما سرّ تلك الابتسامة على ثغر السماء.. كم صافح ليل فراقكم، دمعًا ودمكُم أمسى قِبلةً، تُقام إليها صلاة الوفاء.. لتقرّوا عيناً أيّها الشهداء.. فقد تطهّر تراب الوطن.. وغدا العراق بكم معراج حُبٍّ وإسراء، هي فئة راهنت على دمٍ قانٍ فاح من كفّ الرصاص عطره.. يتجاذبون أطراف الموت بابتسامة شهيّة تغفو على وسادة الوطن جروحها.. ولا أدري ما لون ذلك السرّ الذي يختبئ خلف صدورهم، هل هم على اطّلاع بأجواء الحياة اللامرئية.. هل استطاعوا أن يُنعشوا أنفاس التراب بقبور شقّت إلى السماء درب العروج لكن كيف تمكّن الهواء بعد ذلك من أن يتنفّس في فم العشق من دون أن يتلعثم خجلاً.. وعينُ إيمانهم الراحلة ترمق الدنيا بنظرة ازدراء.. كأنّ الحدود في مدار انتمائهم شاسعة، وصراط شوقهم بُراق يسلكونه بخطوات الشموخ المعهودة، وفِي عيونهم قناديل المعرفة التي أُسرجت ذات خشوع؛ ليدرك الظلام خلفهم أنّ سواد النفس وليد النفس، فلم تتضارب مدارات ذواتهم بنقيض المسير، ولم تنبعث من طرقات إلهامهم غبرة الأثر، هم متواضعون حين يغزو التكبّر منافذ الأنا، حتى بتسليم الروح عند مفترق الأمانات لا يميل طرفهم إلى جهة، ولا ينخفض سرّ أشواقهم عند تزاحم الوجوه الناظرة.. إنّهم الأحياء أبداً الذين لا يمسّهم الموت بسوء ولا تُبدّل ثوب دمائهم الأكفان.. ولا تغسل طهارة أجسادهم المياه، فكانت الحياة كلّها تسير على قيد فكرهم.