رياض الزهراء العدد 157 منكم وإليكم
الثِّقَةُ بِالنَّفْسِ
كثيرًا ما نسمع عن الثقة وما يرتبط بها من مواقف وعبارات مثل عدم الثقة أو الثقة الزائدة بالنفس التي تصل إلى حدّ الغرور والتكبّر، فما الثقة بالنفس؟ تُعدّ الثقة بالنفس من الصفات النفسيّة المهمّة؛ فهي تساعد الإنسان على اقتحام مجالات الحياة المختلفة، والمطلوب هو أن تكون الثقة واقعيّة لا خياليّة، وأن تكون موجّهة نحو طريق الحقّ والخير، فلا يجوز للإنسان أن يثق بنفسه وهو يعمل المحرّمات والرذائل والذنوب، بل المطلوب منه في هذه الحالة أن يستثمر ثقته بنفسه في نهيها عن غيّها. يصف أحد المفكّرين الفرنسيين الثقة بالنفس بأنّها: (دولة ليس لها وجود على الخارطة). فالثقة: هي قدرة الإنسان في الاعتماد على نفسه وتقديره لذاته وقدراته حسب ظروفه المحيطة من مكان وزمان بعيداً عن الغرور والتكبّر، وبمعنى آخر إيمان الإنسان بقدراته وإمكانياته وقراراته، أي الإيمان بالذات، واستيعاب كافة المواقف واحتوائها بالصبر والهدوء والتعقّل وتحمّل النتائج (السلبية - الإيجابية) ورؤية احتمال النجاح بدل التفكير بالفشل في أيّ موضوع. دعونا نتفق على أنّ هناك منابع للثقة، ومن أهمّ منابع الثقة بالنفس هي المعرفة، حيث إنّ الشخص الذي يتحدّث عن موضوع يعلمه جيدًا تكون ثقته أفضل ممّا لو تحدّث في موضوع لا يعلم عنه إلّا القليل، بينما تنبع عدم الثقة من طفولة بائسة، أو التركيز على الآخرين والاعتماد عليهم ممّا يمحو الشعور بالاستقلالية وفي النهاية تنعدم الثقة بالنفس. ويختلف مفهوم الثقة بالنفس لدى الناس، فبعضهم ينظرون إليها على أنّها العناد والإصرار، والثبات على الرأي وإن كان خاطئاً، أمّا البعض الآخر فيراها التحكّم بالآخرين والسيطرة عليهم، بينما يراها آخرون على أنّها ترك رداء الحياء والتسلّح بالجرأة المبالغ فيها التي تمنحه الحقّ في التدخّل في خصوصيات الآخرين. وممّا لاشكّ فيه أنّ الثقة بالنفس لا تتعارض مع الإيمان بقدرة الله(سبحانه وتعالى) ولا يحصل التعارض إلّا إذا أصبحت الثقة نوعاً من الغرور وتفضيل النفس على الآخرين مثلما بيّن الله(سبحانه وتعالى) موقف إبليس: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)/(الأعراف، الآية: 12)، إنّ الخوض في هذا المضمار عميق جدًا يوصلنا إلى تساؤل مهمّ: هل الثقة بالنفس وراثية أم مكتسبة؟ في الواقع الثقة بالنفس جزء منها وراثي وجزء منها مكتسب، حيث يستطيع الإنسان اكتسابها وبناءها تدريجياً عن طريق الثقة بالله(سبحانه وتعالى) ثمّ تطوير النفس والارتقاء بها والتخلّص من المشكلات وعدم تجاهل الواقع والهروب منه ومواجهة المخاوف ومن ثمّ الابتعاد عن التردّد في اتخاذ القرارات. إنّ أجمل ما في الثقة بالنفس أنّها تمنحكَ القدرة على التعامل مع الأزمات والمشكلات وتجعلكَ تشعر أنّكَ تعيش حياة مميّزة عن الآخرين، وكذلك توضّح لكَ أهدافكَ في الحياة؛ لأنّها مصدر طاقتكَ الذي يعمل على تزويدكَ بالطموح والأمل لتحقيق هدفكَ.