رياض الزهراء العدد 157 منكم وإليكم
وَردَةٌ فِي مَهَبِّ العَاصِفَةِ
كان صباحًا مميزًا وذا لون وردي وعطرٍ نرجسيّ، كيف لا وهو يوم العودة إلى المدرسة ورؤية صديقاتي؟ لقد اشتقتُ إليهنّ كثيرًا، ها هي ضحكاتهنّ تملأ الساحة وكأنّ بلاطها يخاطب خطواتهنّ، وجرس المدرسة كأنّه لحن عذب، فتقابلت العيون وتوزّعت الابتسامات هنا وهناك، وبالفرح والسرور دخلنا إلى قاعاتنا، وعدنا إلى مقاعد الدراسة التي انتظرتنا طويلًا، ونحن في شوق كبير إلى دخول مدرّساتنا لنسلّم عليهنّ.. فتنبهت لعدم حضور صديقتي إيمان، وقلتُ في نفسي: لعلّها ستحضر قريبًا، وبقيتْ نظراتي تتوزّع بين زميلاتي والباب... وأخيراً طرقت الباب ودخلت، إنّها إيمان، ولكنّها متغيّرة وبالكاد تعرّفتُ عليها فأومأت برأسها للسلام علينا وجلست بالقرب منّي... فبادرتها بالسؤال: ما بكِ عزيزتي؟ لماذا هذا الشحوب والحزن الذي يعلو محيّاكِ؟ أين إيمان الوردة المتفتّحة الممتلئة بالنشاط التي لا تفارق ثغرها الابتسامة.. لم أتعوّد أن أراكِ هكذا عزيزتي! أطرقت برأسها وتنفّست نفسًا عميقًا: لقد تغيّرتُ مثلما تغيّرت هذه الدنيا فجأة من حولي.. وترقرقت الدموع في عينيها وغسلت وجنتيها.. وكانت دموعها حاضرة تحت جفنيها.. قلت: إيمان أرجوكِ عزيزتي قولي ما بكِ؟ لقد آلمتني هذه الدموع، أشعر أنّها تجرح فؤادي؟! رسمت إيمان بسمة انتزعتها انتزاعًا وقالت: لا شيء عزيزتي، لا تقلقي عليّ سأكون بخير، ولكنّني اشتقتُ إلى أمّي فأنا لم أرها منذ شهرين.. قلت: ماذا تقولين! هل هي في سفر! تأوّهت صديقتي هذه المرّة فأحسست بأنفاسها الحارقة، وقالت: لقد انفصل والداي، وأبي يمنعني من رؤية أمّي.. وأنا لا أتحمّل البعد عنها، فهي روحي وعمري وكلّ شيء جميل في حياتي... هنا غصّت بدموعها التي تفنّنت في إخفائها.. فشاطرتها دموعي التي لم تستأذن منّي، بل سالت على خدي لتواسي صديقتي الطيّبة.. عانقتها ولكنّني لم أجد ما أواسيها به؛ ولكنّ قلبي بدأ يتساءل: زهرة صغيرة وجميلة تُترك في أرض قاحلة يملؤها الشوك، كيف ستكمل حياتها من دون والدتها؟ فالتغيّر بدا واضحاً على حالها، وذبل عودها، واصفرّ وردها الذي كان يتفتّح على وجنتيها، كيف ستواجه مشاكلها؟ وأيّ صدر حنون سترمي بنفسها عليه ليزيل عنها ألم الدنيا؟! أيّها الوالدان.. إذا اختلفتم فيما بينكم، فكّروا في أولادكم ولا تلبسوا الأنانية ثوبًا، وتتخذوا عدم المبالاة والعناد درباً، فكّروا بمشاعرهم وإلى ما سيؤول له حالهم.. فما ذنبها هذه الفتاة الصغيرة! فهي وردة فلا تتركوها في قلب العاصفة.