رياض الزهراء العدد 157 صحة العائلة النفسية
مَفْهُومُ الصِّحَةِ النَّفْسِيَّةِ وَأَهدَافُها الأَسَاسِيَّةُ
عرّفتْ منظمة الصحّة العالمية في دستورها المنشور في عام 1946م الصحّة النفسيّة بأنّها: حالة من السعادة الكاملة نفسيّاً وجسديّاً واجتماعيّاً، فهي تشمل أيضاً الابتعاد عن الأمراض وأيّ عاهة من العاهات، ويُشير مؤتمر الصحّة النفسيّة العالميّ إلى أنّ السعادة الكاملة ليست حالة مثالية تنتاب الفرد؛ بل هي حالة "القناعة التامّة" بما يملكه الفرد في حياته، سواء على الصعيد النفسيّ أو الجسديّ أو الماليّ وغيره. ويبحث علم الصحّة النفسيّة في تكوين الأفراد على مستوى الأسرة والبيئة المحيطة بهم من جهة، وعلى مستوى علاقة هؤلاء الأفراد ومدى تفاعلهم مع مجتمعهم من جهة أخرى. لذلك يجب تقويم السلوك النفسيّ والتربويّ للفرد ومراعاة مراحله العمرية المختلفة، وإنّ أهم هدف للصحّة النفسيّة هو إمداد المجتمع بالأفراد الأسوياء والأصحّاء نفسيّاً لينتج لنا مجتمعٌ صالحٌ ذو قِيم أخلاقيّة وتربويّة عالية؛ فاهتمام الأسرة وخاصّة الأم بالصحّة النفسيّة للأطفال تُنتج طفلاً يقدّر ذاته ويحترمها، ويحترم أسرته ومجتمعه، ويكون متوافقاً مع ذاته ومع بيئته، مثلما يجعله فرداً سويّاً صالحاً معطاءً للخير في مجتمعه عندما يكبر؛ فيكون متوازناً نفسياً، ويؤثّر هذا بشكل مباشر في شخصيّته وتعامله مع أسرته ومجتمعه، ويكون بارّاً بوالديه، ويحترم الكبير والصغير، ويصلُ رَحِمه، ويساعد المحتاج، ممّا يؤدّي إلى تحسّن نوعية الوعيّ والقيم الأخلاقية المجتمعيّة؛ فالمجتمع الذي لا يهتمّ بالصحّة النفسيّة لأبنائه منذ نعومة أظفارهم هو مجتمع مريض تنتابه العواصف اللاأخلاقيّة، ويكون مجتمعاً غير سويّ وغير متكامل، ولا يشعر أفراده بالسعادة والصِلة الروحيّة فيما بينهم. فمَن استطاع أن يوفّق بين الجانبين الماديّ والروحيّ في شخصيّته، ويحقّق بينهما أكبر قدر من التوازن، فقد نجح في هذا الاختبار، واستحق أن يُثاب على ذلك بالسعادة في الدنيا والآخرة. مثلما قال تعالى في كتابه الكريم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)/(النحل، الآية 97). لقد سعى الإسلام إلى بناء شخصية الفرد المتكاملة عن طريق السعي الحثيث إلى تهذيب النفس وتخليصها من أدران الشرّ ونوازعه؛ لتسمو نحو التكامل والإيجابية والقوة والمعافاة.