الوَحْدَةُ القُرآنيّةُ النِّسْوِيَّةُ فِي العَتَبَةِ العَبّاسيةِ المُقَدَّسةِ...

نادية حمادة الشمري
عدد المشاهدات : 219

دَعْمٌ وَحِمَايَةٌ وَإِنجَازَاتٌ مُتواصِلَةٌ لِلمَرأةِ العَصْرِيَّةِ.. تعدّدتْ مسمّيات المراكز القرآنية، ولكن يبقى السؤال دائماً؛ أيّ الأسماء تنطبق على معنى المراكز القرآنية، وأيّها لا تنطبق؟ الأمر الذي لا خلاف فيه هو أنّه بغضّ النظر عن المسمّى فإنّ للمراكز القرآنية قيماً ورؤى، إذا تمّ استيفاؤها صار للتسمية معنىً مطابقٌ لقول أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) : "عليكم بكتاب الله، فإنّه الحبل المتين، والنور المبين، والشفاء النافع، والريّ الناقع، والعصمة للمتمسّك، والنجاة للمتعلّق"(1)، ربّما يكون هذا هو المدخل الصحيح لتحقيقنا الآتي، بشأن الوحدة القرآنية في العتبة العبّاسية المقدّسة. تَصَالُحُ الهُوِيَّاتِ من شعبة التوجيه الديني النسوي في العتبة العباسية المقدسة وفي تاريخ 2019م انطلقت الوحدة القرآنية التي تُعنى بالقرآن الكريم حفظاً وتفسيراً، كيف استطعتم أن ترسموا خطوات الوحدة؟ وما نوعية الأهداف المرجوّة؟ وكيف استطعتم أن تجعلوا المرأة المسلمة تتصالح مع نفسها؟ ترى السيّدة (فاطمة عبّاس الموسويّ)/ مسؤولة الوحدة القرآنية في العتبة العبّاسية المقدّسة: أنّ العتبة العبّاسية المقدّسة دائماً وأبداً تسعى في جميع جنباتها الفكرية والثقافية إلى تسليط الضوء على الشخصيّة النسويّة، وكان أهمّ هدف من هذه الأهداف هو التصالح مع الهوية وبخاصة في ظلّ الثورة التكنولوجية؛ فسعت الوحدة إلى تعريف المرأة المسلمة بهويتها من هي وكيف تنظر إليها؟ وإرسال رسائل إلى المرأة هل أنتِ عربيّة أم أنّك عربيّة ومسلمة في آن واحد؟ على هذا الأساس تمّ بناء أهداف للوحدة، من أهمها تعميق زوايا الرؤية المختلفة والمتعددة للوحدة القرآنية، فكلنا يعلم أنّ المجتمع العراقي تميّز بكثرة الوحدات القرآنية إلّا أنّنا نبحث في زاوية تسليط الضوء على الهوية للمرأة المسلمة، فصُنّفت غايات وأهداف سواءً أكانت في الحلقة القرآنية أم في مجموعات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى أهدافٍ أخرى نسعى إليها منها الصحبة المختارة التي تجتمع على مائدة الرحمن، فضلاً عن الاهتمام بالوقت، وآثار القرآن التي تبدو في سمت الطالبة في أخلاقها وسلوكها وعبادتها. حِفْظُ الصُّدُورِ وَالسُّطُورِ ما زال الإرث العظيم يرسم حدود الشخصيّة المسلمة على وجه العموم والشخصيّة الكربلائيّة بصفة خاصّة، ما الخطوط العريضة التي وُضعت على الورق والتي هي على أرض الواقع؟ (على الورق، وعلى أرض الواقع) هو ما بدأت به (السيّدة الموسوي) حديثها إذ قالت: إنّ القرآن الكريم هو الإرث العظيم الذي توارثناه من نبيّ الرحمة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام) فهو القانون الذي جاء ليربّي أمّة، ويُنشئ مجتمعاً ويقيم نظاماً، هذا ملخص ما على الورق، أمّا على أرض الواقع فالمجتمع يحتاج إلى تطوير جيل عن طريق التربية التي تحتاج إلى زمن وإلى تأثير وانفعال بالكلمة، وإلى حركة تترجم التأثير والانفعال إلى الواقع عن طريق مداواة مرضى العقوق الذي يشكو منه الوالدان بالنسبة إلى الفئة الجامعية، والعفّة التي يطلبها الدين الإسلامي من المرأة المسلمة بشكل عام، إضافةً إلى الإبقاء على مزيتي (حفظ الصدور وحفظ السطور)، اللتين تُعدّان من مكمّلات الإرث الثقافي لحفظ القرآن الكريم للمرأة. ثَمَرَةُ النَّجَاحِ للوصول إلى الثمرة المرجوة نحتاج إلى دائرة أوسع وهي الملاك التدريسيّ في الحلقات القرآنية، فما ميزات الملاك التدريسيّ؟ أجابت الموسويّ: لكي نصل إلى الثمرة المرجوة، ونستطيع أن نحقّق الأهداف التربوية في الحلقات، لا بدّ من أن تتكاتف وتتضافر أربع أطراف يسند بعضها البعض منها: )إدارة الحلقة، والمعلّمة، والطالبة) ثلاثة أطراف لها بصماتها المؤثّرة في إنجاح الدور التربوي للحلقة القرآنية، فلابدّ من أن تسعى إدارة الحلقة أولاً إلى اختيار المعلّمة الناجحة التي تجمع بين الكمّ العلميّ والحسّ التربويّ، وأن يكون الإشراف على الحلقة متكاملاً في كلّ النواحي، من الناحية الفنيّة والشكليّة، وأيضاً من الناحية التربوية والعلمية، وكذلك تسعى الإدارة مع المعلّمة إلى إقامة مُدارسة فكريّة ونفسيّة تربويّة للحافظة سواءً كانت طالبة جامعية، أم ربة بيت أمّاً، ولكلّ نوع من الأمزجة حتى تؤتي التربية مفعولها. ويأتي بعد ذلك دور المعلّمة المباشرة في علاقتها مع الطالبة (الطرف الثالث) بأن تسعى إلى غرس القِيم القرآنيّة، والعمل على تربيتها تربية صادقة، تشعر فيها الطالبة بأنّ المعلمّة بمثابة أخت لها تتابع أحوالها برفق ولين، وتسعى إلى تحقيق مصلحتها في كلّ حين. مَكْرُمَةٌ إِلَهِيَّةٌ حينما تُدرك المعلّمة الأهداف والغايات من هذه الحلقات، يأتي دور البرنامج التربويّ العمليّ الذي عن طريقه نستطيع الدخول إلى أغوار نفس الطالبة والتأثير بها، فما البرامج والأساليب التي اعتمدتموها في الوحدة؟ بنين أمين/ مدرّسة من حلقة أم أبيها، بيّنت أنّ الدروس في الوحدة القرآنية تنقسم إلى قسمين: 1- دروس حضوريّة: تكون دائماً في العتبة العبّاسية المقدّسة، هذه الدروس تشمل فئة معيّنة من ربّات البيوت اللواتي يحتجنَ دائماً إلى تواصل مستمرّ سواءً على الصعيد العباديّ الذي يكون في مضمار تصحيح القراءة لسورة الحمد والذي يترتّب عليه صحّة الصلاة، أو الصعيد الثقافيّ، ومن صوره: المسابقات القرآنيّة التي تُطرح بين طالبات الحلقة سواءً في الحفظ أو في علوم القرآن من تفسير، وأحكام التلاوة، والأسئلة الثقافية، والبحث في بعض الموضوعات المتعلّقة بالقرآن وعلومه وربطها بالظواهر الطبيعية (كالخسوف والكسوف)، إضافةً إلى توليف الحلقة توليفة علميّة تقليديّة تواكب إرث الآباء والأجداد، وخصوصيّة هذه الحلقات، فضلاً عن المبادرات القرآنية ومنها: (خيرُ الزّادِ) التي تُجدول السور القرآنية بصفحة واحدة لكلّ يوم لتضمّ ختمة قرآنيّة مستمرّة تبدأ بمناسبة دينية معيّنة وتُختتم بمناسبة دينية أخرى، فالقراءة اليوميّة وَفق نظام جدول الكتاب تجعل من القرآن الكريم ورداً يومياً، تستمع فيه إلى أوامر الله(سبحانه وتعالى)، وتجتنب نواهيه، إضافةً إلى مدّ جسر التواصل مع العلماء عن طريق الرسائل العملية للمقلّدين، ومنها نصل إلى التعريف بالأحكام العباديّة التي لابدّ من الولوج فيها كأحكام الخمس و...، ودور الوحدة القرآنية بأهدافها لا يقتصر فقط على داخل الحلقة وفي نطاقها زمنياً ومكانياً، بل يمتد إلى تهيئة الجوّ المناسب ليفيض النفع إلى خارج الحلقة. وواصلت الأستاذة بنين حديثها: إنّ عدد الطلبات في الحلقة الواحدة يتراوح بين 15 إلى 20 طالبة، ينتظمن في الدراسة التقليدية داخل الحرم المقدّس لتكون هناك حلقات افتراضية تكلّمت عنها الأستاذة عذراء مهدي الشافي في: حَلْقَاتُ تَحفِيظٍ افتراضِيَّةٍ "فيما تلتحق الطالبات الراغبات بنظام «التعليم عن بعد»، الذي يحظى باهتمام خاصّ من قِبل المشاركات في الحلقات الافتراضية"، عبارة بدأتها الأستاذة عذراء مهدي الشافي/ مدرّسة في حلقة فضّة الافتراضية. وتابعت الأستاذة عذراء مهدي حديثها: اقتضت الحاجة الماسّة إلى إضافة التعليم عن بُعد في هيكلية الوحدة وخطّة مناهجها، وتقسيم الفصول إلى مستويين هما: (أمّ ابيها، وفضّة)، يشتمل الأول على التركيز على الحفظ والتحفيظ للفئة التي لا تجيد اللغة العربيّة، ويحدث بالتعاون بين المشرفة وأستاذة الحلقة، ويتمحور الاهتمام بأحكام التلاوة، والتفسير، والفقه، ومن ثمّ تكلّل المسيرة لهذه المجموعات بتسميع ما حُفِظ من آيات ويمتزج دائماً بالتدبّر في آيات القرآن الكريم. أمّا في المستوى الثاني فيكون الحفظ والتحفيظ مقتصراً على فئة الطالبات الجامعيات في ضمن حلقة مغلقة، وتعمد الوحدة إلى اختيار اسم إحدى الشخصيات الإسلامية، وهنا يكمن التأثير الإيجابي للحلقة التي تكون عن بُعد. بدأت المرأة مرحلة التعليم بالكتاتيب، ولم تتوقف المرأة عن تطويع جميع السُبل للتعليم والرُقي الدينيّ والاجتماعيّ والأخلاقيّ، فهل ما زالت معلّمات الزمن القديم تنبض بين علميتها وأيدلوجيتها في أروقة الحلقات القرآنية؟ ....................................... (1) ميزان الحكمة، ج10: ص353.