أَسْرَارُ الغَيْبَةِ

سماهر عبد الجبّار الخزرجيّ/ ديالى
عدد المشاهدات : 202

الغَيْبة سُنّةٌ من سُنن الله في أنبيائه، وقعتْ لكثير منهم، فمنهم مَن غابوا عن أقوامهم وشيعتهم مدّة من الزمن، وبعضهم ظهروا بعد الغَيبة، وبعضهم ما زالوا غائبين وما زالوا في حجاب الغيبة مثل: إدريس(عليه السلام)، وعيسى(عليه السلام)، وإلياس(عليه السلام)، والخضر(عليه السلام)، ولمولانا المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) هذه السُنّة أيضاً ثابتة، ولغَيبته وطولها أسرار إلهيّة كبيرة وعظيمة هو وحده سبحانه يعلم بها، ولعلّ من أسرارها هو الإبقاء على مشروع الله في الأرض، وهو إحقاق الحقّ وإقامة العدل بالحكومة الإلهيّة المنتظرة؛ فأنّ الإبقاء على هذا المشروع لا يُمكن إلّا بالغَيبة؛ ووجه تسميته ببقية الله لأنّه تبقى رحمة الله وفضله الدائم على البشرية ببركة وجوده. إذن حتى تتحقّق دولة العدل الإلهي ويبقى المشروع الإلهي في الأرض ويتحقّق الغرض من إرسال الأنبياء ونزول الشرائع والأديان، فلابدّ من أن يكون صاحب هذا المشروع وراعيه غائباً عن الأنظار، فإذا عرف الأعداء به قتلوه، وبما أنّ الدنيا محكومة بالأسباب الظاهرية لا بالمعاجز فلا يقولَنَّ أحد: لِمَ لا يظهر إلى الناس والله عزّ وجلّ يحميه بالمعجزات؟! فليس هذا من سُنَن الله في الحياة الدنيا، فالمشاريع الإلهية لا تتحقّق بواسطة المعاجز، فالمعاجز فقط لإقامة الحجّة؛ لذا كان الإمام الحسين(عليه السلام) يأخذ بالأسباب الطبيعية رغم أنّ له سلطة تكوينيّة لكنّه لم يستعمل المعاجز والخوارق، فليس هناك استثناءات في القوانين الدنيويّة، البشر كلّهم يجب أن يُختبروا ويُمتحنوا، فالمشروع الإلهيّ مدّخر لإقامة الفرائض والسُنن، ولا يُمكن أن تكون بالإمام الظاهر، بل لابدّ من أن تكون بالإمام المستور؛ لأنّ الغيبة أو الخفاء هو أحد أسباب الحماية والحفظ لولي الله الأعظم من أيدي أعدائه، حتى الإمام يخاف على مشروع الله في الأرض؛ لأنّه قائم به؛ فلو قُتِل انتقض الغرض الإلهيّ، وهذا الخوف هو من صفات الكمال، لا مثلما يصوّره بعضهم بأنّه خائف على نفسه من القتل الذي هو من صفات الجبن، ولا تليق بساحة ولي الله الأعظم، إذن على يديه تتمّ جميع شرائع السماء، وإليه تنتهي مواريث الأنبياء والرُسل والأوصياء، وبه يُضاء الكونُ وتنجلي عنه سُحُب الظلام والفساد.