كَنزٌ لا يَفْنَى

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 167

إنّ أكبر التحدّيات التي تواجه الأسرة خلال الخط الزمني الخاص بتربية الأبناء في هذا العصر يتمثّل في كيفية تنمية صفة القناعة لديهم، فليس من السهل أن نطلب منهم أن يتحلّوا بالقناعة، وهم في خضمّ هذا الكمّ الهائل من المغريات عبر وسائل الإعلام المحيطة بهم من كلّ حدب وصوب، والإعلانات العارمة في وسائل التواصل السهلة الوصول وفي أيدي الأقران، حيث تُثير لديهم الرغبة في اقتناء ما يرونه حولهم، ومع أنّ التربية على القناعة قد تكون المَهمّة الأصعب على الأهل، إلّا أنّها تكتسب أهميتها في إنشاء جيل من الأبناء أكثر صحّةً على المستوى النفسيّ والتربويّ، والأقدر على حلّ المشكلات والتعامل مع عقبات الحياة. القناعة هي مَلَكَة للنفس تُوجب الاكتفاء بقدر الحاجة أو الضرورة من جميع الاحتياجات، ولكي نتمكّن من تنميتها يجب أن نبدأ مع أنفسنا كمربّين؛ فمن المهمّ إيجاد البيئة الصالحة لغرس هذه الفضائل لدى الأبناء عن طريق الاختيار الصحيح لشريك الحياة سواء للرجل أو المرأة، مثلما قال رسولنا الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم): "تخيّروا لنطفكم"(1)، ثمّ تتوالى الخطوات في المرحلة الأولى من عمر الطفل، حيث إنّه يقوم بملاحظة كلّ السلوكيات التي تحدث حوله ويثبّتها لديه؛ فيقوم بالتعامل معها لاحقاً، وذلك عن طريق استثمار الفرص للقيام بالفعل الذي أكسبناه الشرعية لممارسته نفسه، لكوننا المصدر المهمّ والصادق بالنسبة إليه، فلو أنّ هذه العائلة كانت دائمة الشكوى والتذمّر والنظر إلى مَن يتمتّع بنعم الله عليه بنظرة الحاسد والحاقد وتثير المقارنات بين وضعها ووضع الآخرين، ستكون النتيجة طفلاً يريد فقط ما بأيدي الآخرين، ولا يكتفي بما لديه، فكيف لنا أن نلوم هذا الطفل على كثرة الإلحاح على المتطلّبات الماديّة وعدم الاكتفاء بما لديه؟ هناك معادلة بسيطة وهي: القناعة + الطموح = التوازن، والقناعة المطلوبة هنا ليست التي توصل الإنسان إلى الشعور بالعجز والنقص أمام الآخرين، بل هي الاكتفاء والرضا بما منَّ به الله سبحانه علينا مع ضرورة السعي إلى الأفضل، والتنافس في مجالات الخير، وبذلك يتحقّق التوازن مثلما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "اعمل لدنياكَ كأنّكَ تعيش أبداً، واعمل لآخرتكَ كأنّكَ تموتُ غداً"(2). أغدقوا على أولادكم بالأمان العاطفي؛ أيّ القليل من المال والكثير من الحبّ، يكونوا متحابّين ويشعرون بالاكتفاء والرضا بما تقدّمونه لهم. .......................... (1) مستدرك الوسائل: ج14، ص312. (2) ميزان الحكمة: ج1، ص29.