اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ
عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه(عليه السلام) قَالَ رَسُولُ اللَّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "مَنْ مَاتَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَه مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: جَاهِلِيَّةً جَهْلَاءَ أَوْ جَاهِلِيَّة لَا يَعْرِفُ إِمَامَه؟ قَالَ: جَاهِلِيَّةَ كُفْرٍ ونِفَاقٍ وضَلَالٍ"(١). ما المقصود بمعرفة الإمام؟ هل هي معرفة اسمه، ولادته، تاريخه؟ هذه المعرفة لا تُعدّ تكليفاً، وليس لها آثارٌ تربوية، الروايات جعلت المعرفة معياراً للإيمان وعدمها النفاق، فعَنْ أَحَدِهِمَا(عليه السلام) أنَّه قَالَ: "لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُؤْمِناً حَتَّى يَعْرِفَ اللَّه ورَسُولَه والأَئِمَّةَ كُلَّهُمْ وإِمَامَ زَمَانِه ويَرُدَّ إِلَيْه ويُسَلِّمَ لَه" (٢). على ضوء هذه الروايات نعود للسؤال ما المراد من المعرفة؟ الجواب عن الإمام الصادق(عليه السلام) حيث قال: ".. وأدنى معرفة الإمام أنّه عِدْلُ النبيّ إِلّا النبوّة، ووارثه، وأنّ طاعته طاعة اللّه وطاعة رسول اللّه، والتسليم له في كلّ أمر، والردّ إليه والأخذ بقوله" (٣). إذن المراد من المعرفة هي الآتي: أوّلاً: الاعتقاد بأنّه إمام معيّن من قِبَل الله، وأنّ طاعته طاعة الله ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّه وارث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وامتداد له. وثانياً: الانقياد والتسليم له بأن يكون الإنسان رهن إشارته في كلّ شيء، في حياته، في علاقاته، في معاملاته في عباداته و... ومتى انعدم أحد هذين الأثرين فإنّه مؤشّر على نقصٍ في المعرفة. فالخوارج الذين انقلبوا على الإمام عليّ(عليه السلام)، واعتقدوا بكفره (والعياذ بالله) كانت مشكلتهم عدم معرفة إمام زمانهم، والذين خذلوا الإمام الحسن(عليه السلام) وانتقلوا بين ليلة وضحاها من معسكره إلى معسكر معاوية لم يعرفوا إمام زمانهم، وكذلك الذين خذلوا الإمام الحسين(عليه السلام) ولم يحرّكهم نداؤه وخطابه واستنصاره، هؤلاء لم يعرفوا إمام زمانهم وإن اعتقدوا بالحسين(عليه السلام)، إلّا أنّ هذا الاعتقاد لم يتبلور عقيدةً وانقياداً وتسليماً. ومن أجل أن لا يتكرّر الموقف معنا، علينا أن نعتبر من تجارب المجتمعات السابقة، ففي عصر الغيبة وظيفتنا هي تحصين أنفسنا وأبنائنا بالعقيدة المهدويّة، وبالالتزام بالدين والتمسّك به والسير في مسار الإمام(عليه السلام) نفسه، والعمل على تحقيق أهدافه، والتمهيد لدولته. إنّ مَن يعتقد بالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لا يرضى لنفسه إلّا أن يكون صاحب موقف وصاحب دور ومسؤولية تجاه نفسه ومجتمعه؛ فيعمل على تغييره نحو الأفضل. "اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي"(٤). .................................. ١- الكافي للكليني: ج،1 ص377. ٢ - المصدر السابق: ص180. ٣- بحار الأنوار للمجلسي: ج4، ص 55. ٤- الكافي للكليني: ج1، ص377.