الأَجهِزَةُ اللوحِيَّةُ: آثَارُها السَلبِيةُ وَطُرُقُ تَجَنُّبِهَا

دلال كمال العكيليّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 204

سمة تميّز بها عصرنا الحالي، وهو التطوّر التكنولوجي الهائل، واتساع نطاق استخدام الانترنت الذي نال الأطفال منه الحصّة الأكبر؛ إذ أصبحوا مولعين باقتناء الأجهزة اللوحية ولا يمكنهم الاستغناء عنها، هذه الظاهرة اتّسعت كثيراً؛ ولكن بالمقابل لم يلحظ سيطرتها الآباء والأمهات والمجتمع بشكل عام الذي كان هو الآخر غارقاً في التكنولوجيا ومهووساً بالعالم الافتراضي الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من رتابتنا اليومية. لا يُنكر ما لتلك الأجهزة من فوائد ومزايا عديدة للمستخدمين ومنهم الأطفال من قبيل: تعزيز قدراتهم المعرفية والاجتماعية إذا كان الاستخدام بطريقة صحيحة، لكن ما نلاحظه اليوم هو استخدام تلك التقنيات بشكل مفرط وغير مدروس، ولأهمية الموضوع في المجتمع وخطورته ارتأت رياض الزهراء(عليها السلام) تسليط الضوء على مضارّ تلك الأجهزة من نواحٍ عديدة النفسية والجسدية. وللحديث أكثر عن مضارّ الأجهزة اللوحية التقت رياض الزهراء(عليها السلام) بالدكتور (فرقد رسول المحنا) – اختصاصي الأطفال – الذي بيّن أضرار تلك الأجهزة على صحة الأطفال الجسدية قائلاً: يعدّ الهاتف المحمول جهازاً مهماً في كلّ منزل، لكنّ له أضراراً كثيرة على الأطفال بسبب الذبذبات التي تصدر منه، ويمكن تلخيص الأضرار بالآتي: - تأثير الأجهزة اللوحية في عيون الأطفال: يؤثّر الجهاز اللوحي في عيون الأطفال كثيراً ممّا يجعلهم يرتدون النظارات بكثرة، وقد يؤدي إلى حدوث حالة قصر النظر، والإصابة بكسل في العين وجفافها، وهو مرض خطير للغاية ويحتاج إلى استعمال قطرة جفاف العين مدى الحياة. - مشاكل في العظام: تتسبّب هذه الأجهزة بالضغط على الأعصاب الأربعة، وعضلات العمود الفقري وأقراصه، ممّا يزيد الشعور بالألم في الظهر والرقبة والصداع الشديد. - التأخّر في الكلام: ترتبط الأجهزة اللوحية بتأخر الكلام عند الأطفال، وظهر أن كلّ 30 دقيقة من الوقت الذي يقضيه الأطفال في استخدام الموبايل تزيد 49% من خطورة تأخّر الكلام. - مشاكل في الاستقلالية: يعاني الأطفال من حالة عدم الاستقرار وعدم الثقة بالنفس، بسبب استخدامهم الدائم والمستمرّ للهواتف المحمولة؛ ممّا يزيد من معدل الاكتئاب والمشاكل النفسية لديهم. لا يقتصر تأثير الأجهزة اللوحية على صحّة الجسد، بل تمتدّ آثارها إلى الصحّة النفسيّة؛ إذ تُعدُّ الطفولة الأولى مرحلة ذهبية للنمو السليم، وللحديث أكثر عن تأثير الأجهزة اللوحية في الأطفال أوضح الأستاذ المساعد الدكتور عدي عبيدان سلمان الجرّاح/ التدريسي في جامعة كربلاء قسم العلوم التربوية والنفسية قائلاً: لا يخفى على القاصي والداني أنّ الأجهزة الذكية وعالم الفضاء الافتراضي أمسى جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية وهذا ما لا يقبل الشكّ أو الريب، وأنّ لهذه الأجهزة منافع عديدة (نفسية، جسدية) فضلاً عن مضارّ أصبحت واقع حال توجب الالتفات لها، من أهمها المضارّ النفسية ونذكر البعض منها: اعتياد السهر، ضعف التركيز، الكسل والخمول، ضعف الذاكرة، الاكتساب المعرفي والسلوكي والأخلاقي من محتوى الشبكة المعلوماتية بسلبياته لأنّه لا يكون تحت إشراف الأهل جهلاً منهم أو تجاهلاً؛ ولذا يجب على الأهل متابعة أطفالهم وما يشاهدون من محتوى مرئيّ ومسموع، وأن يركّزوا على جعلهم لا يبتعدون عن فضائل أهل البيت(عليهم السلام) وخصالهم لينهلوا من الينبوع العذب منهلاً يجعلهم من ذوي الأخلاق والهِمم، وأن يراقب الأهل أوقات مشاهدة الأطفال في هذه الأجهزة. ويمكن استبدال هذه الأجهزة بالألعاب المجسّمة كتركيب القطع، وحلّ الأحاجي، وممارسة بعض الرياضات التي تناسب أعمارهم وأجسامهم؛ ممّا ينشّط الخيال والإبداع لديهم وحبّ الاستكشاف وزرع روح التعاون فيما بينهم؛ لينشأ الطفل صحيح الجسم والعقل والأخلاق والعلم، وكلّ ذلك لا يتحقّق إلّا إذا نشأ الطفل وسط أسرة يملؤها الحبّ والفرح والسعادة والدفء والألفة. يتساءل البعض كيف يمكن أن نستعيض عن تلك الأجهزة وبِمَ نستبدلها؟ خاصّة أنّها سيطرت على كلّ مفاصل الحياة، ومن الصعوبة التخلّي عنها إلّا في حال وجود بديل مؤثّر، ولما للقراءة من أهمية في تثقيف الإنسان وبناء شخصيته فقد تصدّت العتبة العبّاسية المقدّسة لشريحة الأطفال والمراهقين وكان هناك إصدارات خاصّة بحسب الفئات العمرية، تجسّدت هذه الإصدارات بمجلّتي (حيدرة) و(رياحين) اللتين تتميّزان بمحتواهما الملتزم والبنّاء، وللحديث أكثر يبيّن الأستاذ عليّ الخباز رئيس تحرير مجلة صدى الروضتين لرياض الزهراء(عليها السلام) كيف كان لمجلة (حيدرة) تأثير في الناشئة قائلاً: مجلة حيدرة الصادرة عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العبّاسية المقدّسة إصدارٌ خاصٌ بالناشئة مهمته إعادة الروح الاجتماعية لهم، وجعلهم في قلب الانتماء والهوية الإسلامية مع التركيز على المواد الثقافية والمعلومة الملتزمة، فكانت مجلة (حيدرة) التي تصدر شهرياً وتعنى بشؤون الفتيان تُقاد من قبل مجموعة من الكتّاب المهمين مثل علي البدري رئيس التحرير وأحمد الخالدي مدير التحرير، وهيئة التحرير مرتضى خالد وبعض الكتّاب المشاركين، تبعث بالفتيان روح النصرة والسير على منهج الحسين(عليه السلام)، ونشر قصص توعية بطريقة سلسة مع وجود رسوم تُضفي على الموضوع آيات الجمال وتساعد على ترسيخ المضمون القصدي، وهناك مجموعة من الرسّامين تعتمد عليهم مجلة (حيدرة) مثل الرسام عباس راضي، وعليّ رستم، مع رسّامَيْ الكاريكاتير خضير الحميريّ وعودة الفهداويّ، وفي التصميم والإخراج عليّ عوني، فضلاً عن المدقق اللغويّ مصطفى كامل محمود، يغلب على المجلة طابع التوجيه الأخلاقي ونشر ثقافة أهل البيت(عليهم السلام) تشجيعاً لبث روح الوثابة عند الفتيان، فتقدّم لهم الجهة المشرفة على شعبة الطفولة دورات تعلمهم التصوير وكتابة المقال والسيناريو، وكتابة القصة، وتقيم لهم مسابقات في مختلف أجناس الإبداع، مجلة (حيدرة) حقّقت مضامين (روحية، اجتماعية، علمية)، كقصص الاختراعات، والتوجّهات الذهنية، ومواجهة الرياضة والصحة، وصفحات التسلية وتنشيط الفكر، ولو تابعنا المجلات التي تصدر في الوطن العربي سنجد مجلة (حيدرة) مميزةً مهمةً بين تلك المجلات، فهي منذ العدد الأول قدّمت هويتها ووجهتها الفكرية، وما زالت ملتزمة بتلك الهوية ومعدن الانتماء. وفيما يخصّ مجلة رياحين تلك المجلة التي تحاكي الأطفال بالفنون المعاصرة، فهي مكتوبة بلغة يفهمها الطفل، ومصمّمة بتصاميم وألوان جذّابة مليئة بالرسوم المعبرة، لتفاصيل أكثر تحدث الأستاذ عليّ البدري رئيس تحرير مجلة (رياحين) ومجلة (حيدرة) لرياض الزهراء(عليها السلام) عن تأثير المجلة في الأطفال وكيف يمكن أن تكون البديل الأمثل عن الأجهزة اللوحية قائلاً: تعتمد مجلة رياحين على محورين أساسيين لتعامل الأطفال مع الأجهزة اللوحية هما: المحور الأول: توفير البديل الموضوعيّ الذي يشغل الطفل بالأشياء المفيدة والمسلّية، مثل قراءة القصص، والقصائد الشعرية، والأنشطة التي تتضمّن الحساب الرياضي والرسم والتلوين، إضافةً إلى شرح تدريبات الأعمال اليدوية التي تُصنع من الأشياء المنزلية المتوافرة لدى الجميع. المحور الثاني: يتضمّن مسؤولية الأهل وحثّهم على تنظيم وقت استخدام هذه الأجهزة، فإن كان لا بدّ من استعمالها من وقت لآخر فيجب أن يكون هذا الاستعمال تحت السيطرة عن طريق: - تحديد وقت الاستخدام (ساعة تقسّم على جزأين) حتى لا يشعر الطفل بفجوة كبيرة بينه وبين الأجهزة. - تحديد المادة التي يشاهدها الطفل عن طريق هذا الوقت المحدّد. - أن يكون المربّي (الأم أو الأب) قدوة في سلوكه أمام الأطفال، فالطفل يقلّد ما يرى من الكبار. - إشراك الطفل في الأنشطة المنزلية والمحافل الاجتماعية. - تسجيل الأطفال في الدورات الفنية أو الألعاب الرياضية، بحسب ميولهم. استناداً إلى ما مضى يجب على الأهل أن يشدّدوا الرقابة على أولادهم، ولا يدعوهم فريسةً سهلةً لتلك الأجهزة، وعلى أولياء الأمور ملء أوقات فراغ أولادهم، وتنمية مواهبهم والاهتمام بتوفير البدائل التي تثغنيهم عن تلك الأجهزة.