رياض الزهراء العدد 155 الحشد المقدس
الرِّسَالَةُ الأَخِيرَةُ
أكتبُ ويداي تتجمّدان من البرد المحيط بي، إنّها غروب الأوّل من شهر شعبان، أجلسُ في شرفتي الباردة وتتدلّى أغصان أشجار الكرز الذابلة لتلامس شعري، أتذكّر تلك الحروب والمآسي التي مرّت بها البلاد.. ولا تزال بلادي صامدة.. ظلال الغروب تذكّرني بهم.. وتلك الريح الباردة تُشعرني بالغربة في موطني.. تلك الشموع التي أُشعلها كلّ ليلة على أملٍ من وهمٍ بأن يعودوا.. يا مَن أخجلتَ الشمس في سقوطكَ المبجّل.. والقمر أسدل ستائر الليل على مسرح الوطن.. والنجوم اِعتزلتْ أنوارها.. فالشموع كانت أشدّ سطوعاً منها.. المطر لم يهطل منذ مدّة، فدماء الشهداء سَقتْ أشجار الزيتون.. وتحوّلت جذوع النخيل إلى توابيت.. وأصبحت الدموع النشيد الوطني.. وأصبحت البسمة حبيسة الماضي البعيد.. الألوان الداكنة هي الزيّ الرسميّ وتلوّن العالم بالأسود والأحمر.. بلادي مجرّد ذكريات مشوّشة وتتلاشى مع الأيام.. وسط تلك الرتابة تأتي تلك الأجيال فجأة تنادي بأعلى صوتها لتُوقظ كلّ نائم كالديك الذي ينادي لصلاة الفجر.. يبشّر بيوم جديد.. يذكّرنا بأنّنا لا نزال على قيد الحياة.. يحاول رسم صورة عجز الكثيرون عن رسمها؛ لأنّ ألوانهم كانت ضعيفة.. صورة مُشرقة لبلاد تُشرق شمسها على صوت تغريد بلابل حرّة.. فتمدّ بأشعتها نحو الحقول لتعكسها سنابل القمح الذهبيّة.. وتتحرّك عجلة الماء في النهر بنشاط.. وتُوقظ قطراتُ الندى الباردة أزهارَ التيوليب الصفراء.. وتكون الحافلات الحمراء في قمّة نشاطها في أوّل أيّام الأسبوع.. والجميع يبتسم.. لكنّهم علموا بأن لا لون أقوى من لون الدماء لرسم هذه اللوحة فتسابقوا نحو الموت.. الموت يعتقد أنّه يطوّق بلادي ولا يعلم أنّنا من يطوّقه.. فقط في بلادي تُرسم هذه اللوحة بالدماء، وفي بلدان أخرى فإنّها تُرسم بالحبر...فما هي نهاية هذه الحكاية؟ أكتبها وظلال الشهداء تجوب بلادي.. يراقبوننا بصمتٍ وألم، ينتظرون منّا إكمال المسيرة إنّها بصمةٌ من دم .. لن يمحوها القدر..