رياض الزهراء العدد 155 منكم وإليكم
حَبّاتُ المِسبَحَة
اشرأبّت الأعناق وسكنت الأجراس في مشهد بانوراميّ كبير، يا له من مفوّه مبين!! زوّق كلماته بالعزف على المشاعر, وزيّنها بشريط من المثالية الطوباوية*، خرجت الجموع من محاضرته مفلوجي الحجج مدهوشين بمنطقه شديد الإقناع وسجاعته الباهرة... كثيرًا ما يجذب فنّ الإلقاء شرائح مختلفة من المجتمع، فعن طريقه تستطيع تمرير ما ترغب به بطرق ساحرة تشدّ لك الأسماع وتهوي إليك النفوس، فحذار من الوقوع في فخّ الازدواجية بين القول والفعل, فهو ما مقته الله(سبحانه وتعالى) وأفصح عن ذلك في كتابه العظيم. بالتأكيد ستصادفك بعض العقبات في طريقك لتطبيق الكمّ الهائل من الوصايا والمواعظ التي تنقلها كأنك حمام زاجل، ما عليك إلّا الضغط على زر البدء لتنطلق منظومتك الأخلاقية في برمجة حياتك على تطبيق الأفكار السليمة بكلّ سلاسة, لتغدو ملكةً تبتعد بها عن أيّ انحراف, فأنت أولى بالدواء الذي تبيعه, وأجدر بشذا ورودك من الجمهور المحدق بك... فعلى كتفيك أُلقيت مسؤولية كبيرة بمجرد تسنّمك هذا الموقع المهم, ولا نستثني الكتّاب أيضا فهم شركاء في ضخّ المعلومات التي تقود البلاد والعباد إما إلى برّ آمن أو إلى جرف هارٍ.. فأنت تشكّل حبّةً في المسبحة التي تضمّ كلّ المؤثرين في العالم، فإن سقطت في تطبيق علمك ستتناثر حينها بقيّة الحبّات في حركة سريعة لا يمكن إيقافها، فلا يخفى على عاقل التعميم الذي يسود المجتمعات وهنا لا نعطي الشرعية لهذا التعميم فهو خاطئ لا محالة، لكنّه واقع لابدّ من التعاطي معه، فإن هفا طبيب عمّم الناس هفوته على البقيّة, وعزوا الأمر إلى جهل طبقة الأطباء برمتها، وإن تعثّر عالم فسيطال التعميم الفئة كلّها ... لذا كان حريًّا بنا قشع الزبد الذي يعلو سطح تصرفاتنا ليستقرّ الصالح منها، فكلّ حركاتنا تحت مجهر الربّ قبل الشعب... فلنمسك براية الفعل لا القول فقط، ولنصبّ جهدنا في أن نكون مثالًا متحركًا لكلّ خير، لا دمية همّها إفراغ ما في جعبتها من حروف منظّمة وكلمات مصفوفة .... أيّها الملقي، اقتفِ أثر الأنبياء والأولياء, وكن مثالًا يتبرّك به الصالحون، اضرب بعصا العلم كلّ خرافة، وانفث بيانك على صفحات النور ليبصر القادمون في عتم الليالي، ويتنفس الصبح أريج الصدق بين حركاتك الإعرابية وحركاتك الفعلية ........................................ * الطوباوية: الاشْتِرَاكِيَّةُ الَّتِي تَحْلُمُ بِمُجْتَمَعٍ خَالٍ مِنَ الصِّرَاعِ وَتَسْعَى إلى تَحْقيقِ مُثُلٍ عُلْيا بَعِيدَةٍ عَنِ الوَاقِعِ