عَلِّمْنا يَا زينَ العَابِدينَ(عليه السلام)

زينب العارضي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 208

وأقبل شهر شعبان محمّلاً بالألطاف كحروف القرآن، أتى مُباركاً يزفّ بشائر الخير للإنسان، ويأخذ بيد الراغبين إلى رياض السعادة والاطمئنان، فما أبهاه من شهر تنوّر بميلاد عدل القرآن، زين العباد إمامنا السجّاد(عليه السلام) الملك الديّان، فهيّا لِنحيي ذكره ونعظّم أمره، هيّا لنرفع أكفّ السؤال إلى ساحة عطائه الأمثل، ونسأله أن يعلّمنا السبيل الأكمل، للسير في درب الحبّ الأول، حبّ الله(سبحانه وتعالى). فيا سيّد الساجدين، وقدوة الصالحين: قصدناك بأرواحنا العطشى لعطائك آملين، وفي فيض هباتك راغبين؛ فعلّمنا يا بن الأكرمين كيف نُحلّق بأرواحنا إلى عالم الأنس بربّ العالمين، حينما تهجع العيون وتهدأ الأصوات ويخلو بلقاء الله الذاكرون، علّمنا كيف نخلع إهابنا الجسديّ؛ لنعرج إلى العالم العلويّ، ونتنسّم عبير الحبّ الإلهيّ، فما أقوى الروح عندما تحلّق في الملكوت، وما أشدّ صفائها وهي تتحرّر من قضبان الجسد فتعود حيّة بعد طول ضياع وموت! علّمنا كيف نذرف الدمع على سجّادة الصلاة في ساعة اللقاء، إذ الدموع ينبوع يغسل القلب من أدران الغفلة والشقاء، فما أجمل العين وهي تسحّ دمعاً صادقاً فتبدو كسماء زاخرة بسحب العطاء، تمطر على هَوْن فتغسل الأرض التي أفناها الجفاف وأضرّ بها الجدب؛ فتهتزّ وتربو حتى تبدو كواحة غنّاء بل جنّة خضراء. علّمنا كيف نجلس في المحراب للدعاء والبكاء، وكيف نكتشف الطريق إلى العلياء، وكيف نجعل الدنيا محراب عبادة، والمجرّات محطّات رحيل، وكيف نقاوم الصعاب ولا نسأم من الطريق الطويل، وكيف يكون الهدف ماثلاً أمامنا في كلّ أحوالنا ما دُمنا على درب الصادقين نسير طلباً لمرضاة الجليل. علّمنا كيف نلتفّ حول صحيفتك التي تنبض بهديك، علّمنا كيف نتشرّب القِيَم من رسالة الحقوق التي أهديتها إلى شيعتك، علّمنا كيف نقرأ ما بين سطور كلماتك لنبصر الطريق إلى إحياء أمرك ونصرتك في ذكرى مولدك، علّمنا كيف نوظّف الجرح فنصنع الفتح، وكيف نجعل من الأصفاد معاول تدكّ عروش الفساد والاستبداد، علّمنا كيف نترجم الحبّ عطاءً، ونُبرهن بالمواقف لا بالكلمات صدق الانتماء. سيّدي يا بن الطاهرين: أتيناك في ذكرى ميلادك نمدّ يد السؤال راجين، فأَفض علينا حبّاً يجعلنا نشقّ طريقنا مطمئنّين، ووعياً نستعدّ به لهزيمة النفس الأمّارة والشيطان اللعين، وسعياً نُدرك به غاياتنا في الدارين، وهمّة نوظّفها لنصرة إمامنا المغيّب الحزين، الذي لا يزال يُؤلمه جرح الطفّ وسيخرج لا محالة منادياً: يا لثارات الحسين(عليه السلام)، فيُعزّ المؤمنين ويُذلّ المستكبرين، وينتصر للحقّ ولو بعد حين.