تَرْوِيَةُ الرُّوحِ
"اللهمّ هذا قبر نبيك محمد، وأنا ابن بنت نبيّك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمتَ، اللهمّ إني أحبّ المعروف، وأنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحقّ القبر ومَن فيه إلّا اخترت لي ما هو لكَ رضا"(1)، بهذا الدعاء ودّع الإمام الحسين(عليه السلام) المدينة المنوّرة متّجهاً نحو مكّة يوم التروية، مُنطلقاً في رحلة البذل، غير آبه برسائل القوم التي تُثنيه وترجوه العودة في وقفة شهدها التاريخ برمّته، وخلّدها الزمان بأسره. ترك الطقوس المعتادة وذهب ليحجّ إلى الله بطريقة أخرى سامية، وبينما توجّه الناس إلى مِنى خرج (عليه السلام) إلى العراق حيث مكان المنازلة الكبرى، فهل ارتوى من الماء في العراق بعد ترك ترويته في مِنى؟ أم أنّه توضّأ بماء الشهادة عطشانَ عرياناً؟ إذن ماذا أراد سلام الله عليه أن يقول؟ وما الرسائل البليغة التي أراد إيصالها إلى مواليه وشيعته ومحبّيه؟ إنّه أراد قول الآتي: - الجهاد ضدّ المنكر أمر لازم، وهو أوجب من ممارسة الطقوس والشعائر الدينية. - الإصلاح لا يتوقّف على زمان معيّن، فالذي يحدّد وقت الإصلاح هو متطلّبات المرحلة الراهنة. - القيام ضدّ قوى الفساد من سُنن الأنبياء والمصلحين ومَن تبعهم إلى يوم الدين. وأعظم رسالة: إنّ حقيقة الفوز تكمن عبر الانتهال من عذب قضيّة خالدة، وتجسّد ذلك بقوله الشريف: "وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي(صلى الله عليه وآله وسلم) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"(2). .......................................... (1) بحار الأنوار: ج44، 328. (2) بحار الأنوار :ج44، ص329.