الإِمَامَةُ فَرعُ التَّوحِيدِ وَبَابُهُ
اُتهِمَت المدرسةُ الأمامية بأنّها تقدّمُ الإمامةَ على التوحيد! على حين أنَّها تعدُّ التوحيدَ أصلَ أصولِ الدينِ؛ وأسَّ أسسِهِ؛ لذا نجدُ الرواياتِ بشأنه في المجاميعَ الحديثيةِ كثيرة، والمباحث العقلية في الكتبِ الكلاميةِ عنه وفيرة. ولا غروَ في ذلك، فلقد رُوي عن الإمام عليّ(عليه السلام) أنّه قال: "أوّلُ الدينِ معرفتُه"(1)؛ لأنَّ التوحيدَ الحقّ لا يكونُ إلّا بمعرفتِهِ تعالى، فمَن لم يعرفْه لا يمكن أنْ يوحّده توحيدًا حقًّا، وهذا ما حدثَ لإبليس إذ قال: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ)/ (الأعراف، الآية: 12)، واصفًا أمرَ اللهِ بالسجودِ لآدمَ بأنَهُ مخالفٌ للحكمةِ والعدالةِ، فتمرّدَ على طاعتِهِ تعالى تمرّدًا مقرونًا بالإِنكار للمقامِ الرُبوبيّ، ممّا دلَّ على أنَّ التوحيدَ في العبادةِ لا يُغني ما لم يكنْ مقرونًا بالتوحيدِ في الربوبية. ولذا فإنَّ آياتِ التوحيدِ بعد أنْ ركّزتْ على التوحيدِ في الألوهية* والعبادةِ في المكيّة منها كقوله تعالى: (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ)/(الأنعام، الآية: 102)، ركّزتْ على التوحيدِ في الربوبية* في المدنيّة منها، كقوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)/(المائدة، الآية:55)، وقد تضافرتْ الرواياتُ من الفريقينِ على أنَّ المقصود بـ(الذين آمنوا) هو الإمام عليّ(عليه السلام)، منها ما رُويَ عن عمّار بن ياسر أنَّه قال: "وقفَ على عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، سائلٌ وهو راكعٌ في تطوّعٍ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فأعلمَه ذلك؛ فنزلتْ على النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية"(2)، وعليه فإنَّ مَن لم يوالِ الإمامَ عليًّا(عليه السلام)، يكونُ قد تمرّدَ على الله(سبحانه وتعالى) في مقامِهِ الرُبوبي، وهنا تكمنُ أهميةُ الإمامةِ. أضفْ إلى ذلك، فإنَّهُ (سبحانه وتعالى) عندما ألزمَ المؤمنينَ بولايةِ أميرِ المؤمنين(عليه السلام)، بعد ولايتِهِ وولايةِ رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّما يريدُ بذلك حصرَ الطريقِ إليهِ ببوّابةِ الإمامةِ الحقّة المتمثّلة بالإمامِ عليّ والأئمة من بعده (عليهم السلام)، لِمَا لها من دورٍ أساسي في رسمِ معالم التوحيدِ المَرْضيّ عنده(سبحانه وتعالى). ولأهميةِ الإمامة البالغةِ لم يتركْ الرسولُ(صلى الله عليه وآله وسلم) مناسبةً إلّا وأشار إليها وإلى الأئمة(عليهم السلام)، حتّى قبل الدعوة إلى الإسلام نفسه! وما كرامةُ مولدِ الإمامِ عليّ(عليه السلام)، في الكعبة المشرَّفة، وجوابُ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) له بعد أنْ خرجتْ والدتُهُ منها إلّا دليلٌ على ذلك، فقد رُوي: "فلمّا خرجتْ، قال عليّ(عليه السلام): السلام عليكَ يا أبه ورحمة الله وبركاته، ثم تنحنح وقال: (بسم الله الرحمن الرحيم قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ/)(المؤمنون، الآية: 1-2)، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "قد أفلحوا بِكَ، أنتَ والله أميرهم، تميرهم من علمكَ فيمتارون، وأنتَ والله دليلهم وبكَ والله يهتدون"(3). ....................... (1) نهج البلاغة: الخطبة 1. (2) المعجم الأوسط: ج6، ص218. (3) بحار الأنوار: ج35، ص18. *التوحيد في الألوهية: هو الاعتقاد بأن لا معبود إلّا الله تعالى. *التوحيد في الربوبية: هو الاعتقاد بأن لا مدبّر في الكون سوى الله تعالى.