مَسَافَةُ الأَمَانِ

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 272

مشهد يتكرّر عند أغلب الأسر عن طريق أحداث السيناريو الآتي: أخذت الأمّ شوطاً كبيراً ومُنهِكاً في ترتيب المنزل بالشكل اللائق الذي يبعث السرور في القلب، وإذا بالطفل يسكب كأساً من العصير على السجّاد، عندها تقوم الدنيا ولا تقعد، وتنهال الشتائم، وتمتدّ الأيادي على الجسد الغضّ الطريّ، ومن ثَمّ تُعيد الأمّ الترتيب، وتنهمر الدموع من عينيها ندماً على العقاب القاسي الذي لا يتلاءم مع الفعل. وقِس على ما حدث الكثير من المواقف اليومية المشابهة التي تصاحبها ردود أفعال مبالغ بها، ولو تتبّعنا الخطّ الرابط بين الماضي والحاضر لوجدناه مثقلاً بنماذج لتجارب سلبية، ومعتقدات حياتية تمخضّت عنها خرائط خاصّة لأساليب التعامل مع الآخرين، وهنا نجد أغلب هذه الخرائط تُرسم بريشة من يهوى اصطياد الزلّات ويتحرّى العثرات، ولكي نتجنّب ردود الأفعال السريعة، علينا أن نعيد رسم تلك الخطوط التي تحدّد لنا التصرّف الصحيح، ونقتفي أثر أشعّة النور التي تقودنا إلى رضا الله(سبحانه وتعالى) عن طريق اتّباع مسافة الأمان، ألا وهي تلك المساحة الزمنية والمكانية التي نخطّها لأنفسنا لنضع حاجزاً بيننا وبين السلوك السلبي تجاه الطرف الآخر، فهي تمنحنا الوقت الكافي لاتخاذ القرار الصائب، ونستلهم تلك المهارة الحياتية الفريدة من أحد مواقف الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) حين قاتل عمر بن عبد ودّ العامري، وطرحه أرضاً، فما كان من الأخير إلّا أن قام بمناورة لقلب المسار لصالحه، فكانت الحكمة البالغة لدى الإمام عليّ(عليه السلام) له بالمرصاد، فأخذ مسافة الأمانِ لتَحول بين الثأر للنفس وبين اتخاذ القرار قربةً لوجه الله تعالى؛ ليبقى هذا الموقف على مرّ الزمان يقوّم العلاقة بيننا وبين الآخر، ويخطّ لنا خطوات ضبط النفس، واحتساب كلّ أعمالنا لوجه الله(سبحانه وتعالى).