عُقُولٌ مُتَحفِّظَة

نادية حمادة الصائغ/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 204

إخفاء الهوية في مواقع التواصل الاجتماعي، هل هو اغتراب قسري أم اختيار شخصي؟؟ ربّما لا تفكّر المرأة الغربيّة في العادات والتقاليد والإطار الاجتماعي؛ بل تفكّر في ماذا هي تريد من مجتمعها، ولا تطلب من الإطار الاجتماعي أن يحدّها فتعدّ حريتها محيطاً لا حدود لهُ. وقد لا تفكّر الكاتبة في إخفاء الهوية عندما يلتقي المداد والصفحة البيضاء؛ لأنّ لديها مَن يتوق إلى بلوغ باقة كلماتها، فهي تعيش حياة امرأة في صفحات كتاب من دون قضبان، تجتمع أفكارها بين دفّتين. أمّا فتاة المجتمعات التي تنصاع إلى العادات والتقاليد وتتزيّن بالإطار الاجتماعي، فما زالت مثلما كانت، تحكمها العادات، لكنّها تحلم بالمشاركة في الرأي، والمناقشة في عالم تخشى منه قد يكون غابة حقيقية!! عندما تقابلت ذات العادات والتقاليد، بتفكيرها المتمدن وتقاليدها الأصلية، مع عصر التنوير والتطوير، والثقافات المفيدة، لم تختلّ المعايير بل توازنت المعادلة وانبثقت عنها صياغة جديدة، لإمرأة متحفّظة الطباع عصرية، فهي حين طالها التطوّر تغيّرت بتؤدة، وداخل نطاق قيمها وتقاليدها، وأثبتت أنّ لنا مجتمعات متوازنة، ترفض العزلة والانطوائية في أطرنا الاجتماعية لا يحجب عنها ضوء الحياة. وفق برامج التواصل الاجتماعي أجرت رياض الزهراء حوارً تفاعلياً فكانت أولى الإجابات: مرآة المجتمع لم تحدْ (براق الموسوي)/ طالبة في كلية الطبّ عن العادات والتقاليد في إجابتها، فظاهرة إخفاء الهوية منتشرة لدى مختلف الشرائح العمرية، وتقول: إنّ هناك أسباباً عدة، منها موضوعية، وكثير منها غير موضوعية، أوّلها يعتمد على الوضع الاجتماعي الذي تسعى المرأة العربية إلى التركيز على تثبيت قواعده من أجل أجيال تحافظ على المبادئ الإسلامية، وأجده سبيلاً سهلاً في أن تضع المرأة العربية قواعدها أمام غيرها من نساء سائر المجتمعات. ابتزازٌ نظيفٌ فيما تجد (ذكاء داخل الظالمي/ كلية الهندسة الكيمياوية): أنّه تخفي بعض النساء اسماءهنّ الحقيقية خوفاً من الابتزاز لدى بعض الناس الذين ينظرون إلى المرأة نظرة دنيئة أو يخترقون بعض الحسابات، ويقومون بنشر بعض الخصوصيّات؛ ولهذا تكون أقلّ خوفاً من التعرض لهذه المشاكل، فهي تعدُّه نوعاً من أنواع العنف، وابتزازاً من بعض الرجال للمرأة، وللحدّ من انتشار قدراتها في جميع المجالات. سَخَاءٌ تجد (دعاء قاسم الحجامي/ جامعة المثنى): أنّ أغلب النساء ترنو إلى العالم الافتراضي، للتحدّث والنقد بصراحة في شتى المواضيع، حتى يتسنّى لها في بعض الأحيان الحصول على الاستشارات التي تمنحها حياة ذات قيمة، وأن تكون ذات هدف، وتجد: "أنّ هذا العالم الافتراضي نافذة ذات سخاء معرفي فيما إذا تحدّدت الصفحات الهادفة التي تتابعها". القِنَاعُ وتتّفق (مودّة سمير العلّاق/ كلية الطب) بأنّ الكثيرين يستخدمون الأسماء المستعارة قناعاً وخوفاً من قول الحقيقة في وجه المجتمع، فيتحرّر الفرد من شخصيته الواقعية التي يراقبها كلّ مَن يعرفها، ويرى أنّه أكثر انطلاقاً، ويمرّر إنتاجه عبر منافذ ليست فيها مراقبة الفضوليين، وأنّ اختيار الأسماء المستعارة ليس نقصاً في الثقة، أو رغبة في تجاوز الخطوط الحمراء، إنّما هو هروب من مجتمع كامل يتصادم معه، فيختار الطريق الأسلم، ليعبّر عمّا لا يستطيع قوله في عالم الواقع. النِّقَابُ لمعت عينا (رقية عبد العظيم محمود الموسوي/ طالبة طب أسنان) عندما أجابت رياض الزهراء(عليها السلام) قائلةً: تلجأ الكثير من النساء العربيات إلى استخدام الصور والأسماء المستعارة؛ لتصبح نقاب المرأة وستارها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، حيث تتخفّى النسبة الأكبر من رائدات التواصل الاجتماعي خلف صور الفنانات أو صور الأطفال أو صور الورود..، حلّ يضمن لهنّ حسب رأي البعض خصوصيتهنّ في المجتمع الافتراضي، ويُجنبهنّ الكثير من الانتقادات والضغوطات التي يفرضها عليهن المجتمع الذي يرفض في الغالب نشر صور النساء عبر صفحات التواصل الاجتماعي.. وهذا التخفّي وراء الصور والأسماء المستعارة هو سلوك طبيعي في مجتمع ذكوري شرقي يُرهب المرأة من الإفصاح عن ذكر هويتها، فيُتيح لها هذا الطريق مسايرة التطوّر الاجتماعي، والالتزام بحدود ما يسمح به المجتمع والعائلة. مثلما أنّ بعض العوائل العربية تخشى على بناتها ونسائها من التعرض للتحرّش والابتزاز الإلكتروني، على الرغم من أنّ بعض النساء قادرات على حماية أنفسهنّ، والكثير منهنّ على مستوى عالٍ من الدراية والثقافة، فإنّ وصول المرأة إلى درجات عالية من النجاح في العديد من المجالات لن يشفع لها عند المجتمع الشرقي العربي ليفرج عنها من أفكاره المحدودة التي لا تزال ترى في المرأة الكثير من النقص. معادلةٌ ذات حلّ مُبهم "إنّ الأمر ليس وكأنّه الحلّ الأفضل"، مثلما تقول (آية فراس الشمري/ طالبة طبّ أسنان): "وأجد أن إخفاء الهوية سبباً مقنعاً يطرح نفسه في المجتمع العربي ويجب نختار له مسمىً يكون بمثابة عنوان يشكل له منهجاً جديداً لفكر الشباب، ألا وهو "التحرّش الإلكتروني"، إذ تلجأ أغلب النساء أي حوالي ٧٥٪‏ أو أكثر إلى استخدام أسماء مستعارة، أو من الممكن أن تزيّف الهوية.. والبعض يتّخذ من هذه الطريقة وسيلة لتلافي هذا الأمر.. إضافةً إلى سبب آخر ألا وهو التدخّل من قِبل الأقارب أو حتى الغرباء، هذا الصنف من الناس الذي يحبّ أن يُقحم نفسه في شؤون غيره.." وأضافت: إنّ المجتمعات النسوية العربية ككلّ لا تحبّذ هذا التدخّل، إلّا في بعض الحالات المختلفة، فمن الممكن القول إنهنّ يتخذنها كوسيلة حماية، سواء من الجنس الآخر، أو من التعليقات والأمور غير المرغوب بها، فتستخدم اسماً مستعاراً أو تزييفاً، كأن تقول إنّها رجل، أو لا تستخدم ما يوضّح للمقابل ما إذا كانت امرأة أو رَجـلاً، وهناك مَن يَقوم بالسُخرية أو النقد اللاذع، فتجدها عن طريق التزييف أو حتى إخفاء هويتها على منصّات التواصل الاجتماعي تقلّل فرص التعرّض لها بأيّ شكل من الأشكال. يبقى الإنسان توّاقاً إلى نزعة الاستِئناس بغيره من أفراد المجتمع، إلّا أنّه لا يأمن التفاعل الاجتماعي مع الآخر خارج العقل الضمني، فيرى مَن اختار إخفاء الهوية أنّ (الأنا) لم تستقرّ وتُستودع مع الـ (نحن).