رياض الزهراء العدد 81 بحوث إسلامية
السيّدةُ الزّهراءُ (عليها السلام) حُجّةٌ علَى الأنبِياءِ والمُرسَلِين (عليهم السلام)
السلام على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها, هي المحدّثة العالمة أم أبيها, حارت العقول في وصفها, وعجز البيان عن كنهها وهي العصمة الكبرى, وهي مفروضة الطاعة على جميع الخلائق ومن ثَمَّ فهي حجة على الأنبياء (عليهم السلام) وقد تم إثبات حجية السيّدة الزهراء (عليها السلام) عليهم في عدّة روايات، منها ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): “ما تكاملت النبوة لنبي في الأظلة حتى عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي، ومُثلوا له، فأقروا بطاعتهم وولايتهم”.(1) ورد عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) برواية أبي بصير في حديث طويل: “.. ولقد كانت (عليها السلام) مفروضة الطاعة على جميع مَن خلق الله من الجن والإنس، والطير والوحش، والأنبياء والملائكة ..”.(2) وعن الإمام الباقر (عليه السلام): “.. ما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبّتها، وهي الصدّيقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى”.(3) وبالرجوع إلى آيات الذكر الحكيم التي أثبتت عصمتها (عليها السلام) نُثبت حجيتها على الأنبياء والمرسلين وهي نفس أدلة إثبات حجية الأئمة (عليهم السلام) على الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) فنقول: قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)/ (الأحزاب:33). وقال تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)/ (الواقعة:78). وقد ورد في أغلب مصادر المسلمين أنّ آية التطهير نزلت في (النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)). وتفسير هذه الآية كما أشارت كتب التفسير أنّ الله تعالى خصّ هؤلاء النخبة بالتطهير، وليس المراد منه التطهير المادي بل تعداه إلى التطهير المعنوي؛ ليعم طهارة الظاهر والباطن، والمستحصل منه عصمتهم (عليهم السلام) عن الذنوب والمعاصي. أمّا قوله تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)، فليس المقصود قطعاً اللمس المادي، إذ بإمكان البر والفاجر أن يلمس القرآن الكريم ولكنه قال: يمسّه، وقد ورد في تفسيره أنه يعني الوصول إلى حقائقه ومكنوناته (فللقرآن ظهر وبطن) وهذا من مختصاتهم (عليهم السلام) والزهراء (عليها السلام) قطعاً معهم، وفي مقام الحجية لمَن تلاها من المعصومين (عليهم السلام). ولمّا كان هذا القرآن هو المهيمن قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)/ (المائدة:48). على ما سبقه من الكتب السابقة، فهذا يعني أن المهيمن على القرآن أفضل ممّن هيمن على سواه دونه (أي الأنبياء السابقون (عليهم السلام))، وكذلك قوله تعالى: (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)/ (البقرة:31)، ومما جاء في تفسير هذه الآيات ومما يُستدل عليه من الضمير في (عرضهم) واسم الإشارة (هؤلاء) من أن المسؤول عنه كان أسماء هؤلاء الأشخاص الذين هم سبب الفيض الإلهي وخلق الخلق وهم الأنوار الخمسة، وأن آدم (عليه السلام) أخذ شرفه في الخلافة الإلهية بمعرفته لهؤلاء الأشخاص (محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)) وبمعرفته هذه استحق سجود الملائكة له، يؤيد ذلك قوله تعالى في سورة ص (آية 75): (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ). حيث ورد أنّ العالين المقصودين في الآية هم قوم أعلى مرتبة من آدم وبمعرفة آدم لهم استحق السجود وهم (محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله))، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: “لمّا خلق الله تعالى آدم أبا البشر ونفخ فيه من روحه، التفت آدم يمنة العرش، فإذا في النور خمسة أشباح سجّداً وركّعاً، قال آدم: يا ربّ، هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم. قال: فمَن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟ قال: هؤلاء الخمسة من ولدك، لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلقت الجنّة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجنّ، فأنا المحمود وهذا محمّد، وأنا العالي وهذا عليّ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين، آليت بعزّتي أنّه لا يأتيني أحد بمثقال ذرّة من خردل من بغض أحدهم إلاّ أدخلته ناري ولا اُبالي. يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم اُنجيهم وبهم اُهلكهم، فإذا كان لك إليَّ حاجة فبهؤلاء توسّل”.(6) وفي الختام نقول: إنها روح رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي بين جنبيه، وهو أفضل الخلق فهي المشتقة منه، وكما قال (صلى الله عليه وآله): “لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم، فإنّ فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً”(7)، وهي التي يرضى الله لرضاها ويغضب ولغضبها، وهي التي يرضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرضاها ويغضب لغضبها، وهي أول مَن يدخل الجنة، ومن كانت هذه صفاتها بشهادة مَن لا ينطق عن الهوى بقول الخالق تبارك وتعالى: حوراء إنسية، معصومة، صديقة، طاهرة، مطهرة، حجة على الحجج، والدة للمعصومين، شفيعة مشفعة، ابنة النبوة، وقرينة الوصي، فهي ولاشك المعصومة، خير نساء العالمين من الأولين والآخرين. ............................... (1) بحار الأنوار: ج26، ص281. (2) فاطمة بهجة قلب المصطفى: ج1، ص59. (3) فاطمة الزهراء (عليها السلام) سرّ الوجود: ج7، ص4. (4) تفسير الأمثل: ج8، ص199. (5) التبيان في تفسير القرآن: ج8، ص326. (6) فاطمة الزهراء (عليها السلام) سرّ الوجود: ج9، ص3. (7) فاطمة الزهراء (عليها السلام) سرّ الوجود: ج7، ص 1.