السَجِينُ المُمْتَحَنُ

دعاء فاضل الربيعيّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 171

بين جدران السجون، وظُلَم المطامير كان هناك صوت تراتيل منبثق، ينحدر من بين القيود الحديديّة متسلّقاً أسوار السجن المدلهمّة، ليُسمع العالم أجمع أنّ حبيس هذه الجدران هو الإمام المظلوم موسى بن جعفر(عليه السلام) الذي حطّم ساعات السجون الطويلة بسجدة خاشعة، وركعة طائعة، وآية نافعة. إنّ قضيّة هذا العابد القدّيس لا تزال حبيسة التاريخ، فهناك مَن يجهل الكثير ممّا جرى على شهيد بغداد، فهارون العباسيّ لم يجد حيلة سوى السجون الاحترازية ليخفي وهج الإمام عن محبّيه فاستعان بتلك الغُرف المظلمة الباردة ليشتّت القوى الموالية، ويبعدها عن قواعد الإمام الثابتة، فراح ينقل الإمام الكاظم(عليه السلام) من سجن لآخر، وهدفه هو تغييب الإمام إلى مصير مجهول لا يعرفه أحد من خاصّته(1)، فينقل لنا التاريخ أنّ هارون بعد أن لمس الولاء الشيعي الواسع للإمام، سارع بإخراجه من مدينة جدّهِ سرّاً، ويُروى أنّه جعل قبّتين أحدهما سيّرها للكوفة وأخرى إلى البصرة ليخفي مكان وجود الإمام، فحُبِس صلوات الله عليه في سجن البصرة مدة من الزمن إلى أن عرف موالوه أنّ الإمام موجود في البصرة، وعرف هارون أنّ هناك حركة شعبيّة تعمل على خلاص الإمام من السجن؛ لذا أسرع بنقل الإمام الكاظم(عليه السلام) من سجن البصرة إلى سجن بغداد ليؤكّد بفعله الشنيع هذا أنّه بالغ في إظهار حقده وتنكيله وضغينته لمحمد وآله(عليهم السلام)، فنقل الإمام لسجن عيسى بن أبي جعفر الذي أظهر تعاطفاً مع الإمام لِما رأى منه، فكتب إلى هارون كتاباً يطلب فيه أن يُعفى عن سجن الإمام لتحرّجه من ذلك، فنقل هارون الإمام من سجن عيسى إلى سجن الفضل بن ربيع، فبقي عنده مدّة طويلة، ثمّ نُقِلَ الإمام إلى سجن الفضل بن يحيى، وقد أمر هارون بقتل الإمام لكنّ السجّانين لم يمتثلوا لأمر هارون تقديراً واحتراماً للإمام الكاظم(عليه السلام)، وأدّى ذلك إلى سخط هارون على الفضل، وأمر بجلده، ونَقل الإمام إلى سجن السندي بن شاهك، وكان سجنه هو المحطّة الأخيرة التي استشهد عندها الإمام وذاق جرعته من السمّ الزعاف الذي أنهى حياته، فسلام على مَن تطوف الأرواح في حضرته قبل الأبدان؛ لتُعلن للعالم أجمع أنّ قيود السلاسل وظلمة السجون لن تُخفي نور الشمس مهما جرى، وأنّ صوت الحقّ الصادح لن يُخمد ولنْ يأفل. .............................. 1- موسوعة أهل البيت(عليهم السلام): ص 229-230.