رياض الزهراء العدد 154 آثار لن تندرس
نَجْمَةُ الطَّفِّ
لا ريب في أنّ كلّ كائن مهما طال به الزمان لابدّ له من زوال، ولاشكّ في أنّ كلّ إنسان مصيره الموت والفناء، قال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)(الرحمن، الآية: 26-27). في الموت يختفي الإنسان عن الوجود، تغيب صورته عن الأهل والخِلّان، ويُفتقد صوته ولسانه الفتّان، وتنتهي رحلته المشوّقة بكلّ امتنان، ويندرس ويُنسى بمرور الزمان، لن يبقى إلّا خطّ الزمان الذي يُؤرشف رحلته المثيرة، فإمّا إلى النار وإمّا إلى روح وريحان. خطّ الزمان يشمل مسار الإنسان وطريقة تعاطيه في الحياة، وفي سيرة الصالحين يرتقي ذلك المسار بالصالحات النافعات من الأعمال، ويضمّ في خطوطه صور الجهاد، ذلك الخطّ والمسار يزدان بأسماء لامعة عانقت الآفاق، قد وهبت لبارئها كلّ التضحيات الجِسام، وعندما قضتْ أجلها لمع اسمها وتخلّد أبد السنين والأعوام، أتراها تُوفيتْ واندرس أثرها كباقي العباد؟ أم احتلّ اسمها هيبةً ووقاراً على مدى الزمان؟ إنّ ورود اسمها على السطور أو بين الكلمات كفيل بأن يعرّفنا بملاحمها التي لم تخطر على البال، ويكشف لنا خطواتها الثابتة التي حفرتها بعمق في النفوس والوجدان، كانت امرأة ليست ككلّ النساء. امرأة واحدة قادت الجموع، وجاهدت حينما تخاذلت هِمَم الرجال، وانصاعوا لأميرهم الضالّ يلعقون دنانيره ووعوده ذُلّاً وهواناً. امرأة واحدة وقفت بحزم أمام أعتى الأمراء ظلماً وعدواناً، لم تهب حاشيته المرصّعة بالتاج والسلطان، ولم تخف عسكره وقوّاده، وفتكهم الجبان. امرأة خطبت خطبة زلزلت عرش السلطان، وأطاحت بملكه الموهوم أمام الأنظار، واقتصّت نشوته وسروره، وسرقت فرط فرحته بقتل العترة من آل النبيّ المختار. جاء بها إلى قصره لإذلالها؛ لكنّها ذلّت كبرياءه وهمّشت تاريخه الأسود الملوّث بالعار والشنار، ليس هذا فحسب، بل إنّها مسحت بشخصه الوضيع بلاط قصره، وعرّفته للملأ نسباً مُهاناً بكلّ احتقار. اعتقد الصعلوك أنّ انتصار السيف نهاية القصّة، إلّا أنّها ألقمتْهُ حجراً أصمّ، وأثبتت له بالحجّة والدليل والخطاب الجليل أنّ القضيّة مستعرة لا تُخمدها دولة الحديد والنار، وأنّ انتصار الموقف الحقّ ورفض الباطل رمز الثوّار. نجم السيّدة زينب(عليها السلام) ما زال في السماء يشعّ نوراً وبياناً، ويهبنا طاقةً وعنفواناً، هكذا تخلّدت باقية لم يغيّبها موت جسدها الشريف في الخامس عشر من شهر رجب من عام 62 للهجرة، بل ازدانت رونقاً ولمعاناً كلّما مرّ ذكرها الشريف على القلوب وبين طيّات الألسن.