رياض الزهراء العدد 162 أنوار قرآنية
سُورَةُ الحَشرِ.. سُورَةُ بَنِي النَّضِيرِ
سورة الحشر أربع وعشرين آية، وهي مدنيّة بلا خلاف، وهي من السُوَر المميّزة التي ابتدأت بتسبيح الله(سبحانه وتعالى) بقوله تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)/ (الحشر:1) وانتهت بالتسبيح أيضًا بقوله: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)/ (الحشر:24). من فضائل هذه السورة المباركة ما وَرَد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "مَن قرأ سورة الحشر لم يبقَ جنّة ولا نار، ولا عرش ولا كرسيّ ولا حجاب، ولا السماوات السبع ولا الأرضون السبع، والهوامّ والرياح والطير والشجر والدوابّ، والشمس والقمر والملائكة، إلّا صلّوا عليه، واستغفروا له، وإن مات من يومه أو ليلته مات شهيداً"(1) وسميّت بـ(الحشر) نسبة إلى الآية الثانية منها: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهل الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)/ (الحشر:2). وهي "من السُوَر المهمّة والمثيرة والموقظة في القرآن الكريم، ولها انسجام قريب جدًا مع الآيات الأخيرة من السورة السابقة، التي وعدت (حزب الله)(2) بالنصر..."(3) فقد تعرّضت السورة إلى واقع المجتمع الإسلاميّ الذي عاشه عقب معركة أُحد وقُبيل معركة الخندق، وبالتحديد فأنّ أغلب آياتها عرضت لغزوة بني النضير من الغزوات عرضًا دقيقًا؛ ولذلك تُسمّى هذه السورة أيضًا بـ(سورة بني النضير). وقعت هذه الغزوة في شهر ربيع الأول من العام الرابع للهجرة، وانتهت بطرد يهود (بني النضير) الذين نقضوا العهود والمواثيق مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ودبّروا مؤامرة قتله (صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة. وتحدّثت السورة من الآية الثانية إلى العاشرة عن تعامل المسلمين مع يهود (بني النضير). مثلما ذكر القرآن الكريم من الآية الحادية عشرة إلى السابعة عشرة دور منافقي المدينة، وتعاونهم مع اليهود للقضاء على الإسلام والمسلمين، وتخاذل المنافقين عن نصرة اليهود. ثمّ دعت الآيات الثلاث التي تليها إلى أخذ العِبرة والموعظة من هذه الغزوة: (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)/ (الحشر:18)، (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)/ (الحشر:19)، (لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)/ (الحشر:20)؛ مثلما تطرقت الآية 21 إلى عظيم مكانة القرآن الكريم وأثره الخاشع في النفس: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)/ (الحشر: 21). ثمّ اُختتمت السورة المباركة في ذكر أوصاف الذات الإلهيّة، وبعض الأسماء الحسنى، وانتهت بتسبيح الله تعالى أيضًا. وبلحاظ ما تقدّم فإنّ سورة الحشر تمثّل دورة تربويّة كاملة في التعامل مع الأحداث، وأخذ العِظة والعِبرة منها بالإيمان بالله(سبحانه وتعالى) وذكره وتسبيحه. .................................................. (1) تفسير مجمع البيان، ج9، ص 383. (2) راجع سورة المجادلة الآيتين (٢١-٢٢). (3) تفسير الأمثل، ج18: ص155.