خُذْ بِيَدي

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 231

حكاية مؤلمة تبعثرت فصولها بين أروقة الزمان، استمرّت قراءتها لأشهر متعدّدة، ولا تزال، ولا أحد يعلم متى ستُوضع النقطة على آخر السطر، بدأت مع ظهور أعراض لمرض جديد لم نعهده سابقاً، أخذ يصول ويجول في كلّ مكان ليقتنص كلّ مَن أمامه بلا هوادة، فمنهم مَن تكون هذه نهاية حياته، ومنهم من ينجو لتكون له بمثابة الفرصة لترميم ما هو آيل للسقوط بين طيّات حياته. خرج المتعافي من المعركة القاهرة المميتة بعد شهر من العزلة والابتعاد عن أقرب المقرّبين له، وما رافقها من التوتر النفسي باحتمالية الوصول إلى نهاية المطاف بدون لقاء، وشرع بلملمة أشلائه المبعثرة بين سيّارات الإسعاف وممرّات المستشفى، حيث كان ألم ما بعد التعافي هو أشدّ وأعظم من المرض نفسه، فقد اصطدم بما يسمّى بالوصم الاجتماعيّ، وهو إشارات النبذ والتمييز من بعض أفراد المجتمع للشخص الذي ارتبط اسمه بمصدر مرض معيّن في مدّة محددّة، ويكون عبر تحاشي الجلوس معه، أو اللقاء به خوفاً من العدوى، بل الأشدّ من ذلك إشعاره وكأنّه هو الفيروس الناقل للمرض بحدّ ذاته، وما ينتج عن هذه الإشارات من تردّي الحالة النفسيّة لدى الشخص المتعافي التي توصله إلى الرغبة في عزل نفسه مجدداً، وتحيطه بهالة من الخوف والتوتر من إصابة أيّ شخص قريب؛ لأنّ الأنظار ستتوجه عليه وأصابع الاتّهام ستشير إليه فوراً، إنّ انتشار الوصم الاجتماعيّ في بيئة معيّنة يدعو مَن يلاحظ بوادر الإصابة لديه إلى أن يتكتّم عن الموضوع تحاشياً للوقوع فريسةً للوصم ممّا يؤدّي إلى انتشاره وتفاقم الحالات، والبحث المستمرّ عن كبش فداء لتفريغ الشعور بالإحباط والقلق والخوف فيه. إنّ أهمّ أسباب انتشار الوصم الاجتماعيّ هو الخوف من المجهول، وعدم تقصّي الحقائق عنه مثلما قال الإمام الرضا(عليه السلام): "صديق كلّ امرئ عقله وعدوّه جهله"(1) إضافة إلى السماح للإشاعات بالانتشار والمشاركة بذلك، والدخول في دوّامة الخوف والقلق. لو عدنا إلى دستورنا السماويّ إلّا وهو القرآن الكريم لرأيناه قد أشار إلى هذا الموضوع بصورة واضحة في الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمان وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)/ (الحجرات:11)، فنجد ما يحدث في الوصم الاجتماعيّ ما هو إلّا إشارات الاتّهام بقلّة الوعي أو اللامبالاة، وكذلك إلقاء اللوم على الشخص المصاب، والتلفظ بألقاب وصفات تطلق على هؤلاء الأشخاص. يجب علينا أن نبادر جميعاً إلى رأب الصدع الحاصل في المجتمع من جرّاء الوصم الجارح نفسيّاً، فكلّنا يعلم أنّ الحالة النفسيّة تنعكس وتترجم سلوكيّاً على الأفراد، والأفراد ما هم إلّا أجزاء من المجتمع ككلّ، فهُم يتكاتفون ويتراصّون لبناء مجتمع قويّ متكامل، ولأجل ذلك حريّ بنا أن نستخدم الكلمات التشجيعيّة والصفات الإيجابيّة، وأن يتمّ توفير مساحة للتعبير عن المشاعر والآلام المرافقة للحدث، وأن يكون هناك نشر للحقائق من المصادر الموثوقة من دون تهويل أو بثّ الخوف والرعب، ومساعدة الأشخاص في العودة إلى الحياة الطبيعيّة عن طريق إشراكهم في النشاطات الحياتيّة لنُسهم في ترميم الحالة النفسيّة لديهم، ونشدّ أُزر المجتمع، فالمرض ليس جريمة، وإنّما الجريمة هي المشاركة في تحويله إلى وصمة عار. .................... (1) ميزان الحكمة: ج3، ص317.