«الإيمانُ عَمَلٌ كُلُّهُ»(1)
أرسلت هدى دعوة إفطار في منزلها إلى صديقاتها تيمّناً بذكرى مولد الصادقيْن(عليهما السلام)، ولمواصلة الحديث عن موضوع الكسل، فلبّينَ الدعوة، وفي يوم اللقاء رحّبت هدى واستقبلتهنّ بالتبريك بالذكرى، وبعد تناول وجبة الإفطار بدأ الحوار. ليلى: تقدّم الحديث عن الكسل ومصاديقه وعوامله وعلاماته، واليوم لنتحدّث عن علاج هذا المرض، فهو محور مهمّ. وأستشهد بهذه الآية على أحد العلاجات وهو الإيمان: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)/ (يونس:9). فأحد طرق العلاج هو التعرّف على منشأ الكسل وعوامله، وقد تمّ مسبقاً عرض خمسة عوامل، هي: ضعف الإيمان، والجهل، والنظرة السوداويّة، والتربية السلبيّة، وعدم تحديد الأولويّات، مع أنّها أكثر من ذلك، فعلى ضوء هذه العوامل وغيرها سنطرح الحلول. وأول هذه الحلول هو: تقوية الإيمان وتنميته، فالكسل قبل أن يشلّ البدن يُصيب الروح ويشلّها، وما كَسِل إنسان وتقاعس إلّا لخمول وخدر في روحه، وعليه لا بدّ من التركيز على إنعاش الروح وتجديد نشاطها. بتول: ما السبيل إلى ذلك؟ ليلى: الإيمان بالله، والارتباط به هو علاج نافع، فكلّما كان هناك إيمان، كانت هناك حيويّة وعطاء وعمل وإنجاز. حوراء: ماذا تقصدين بالإيمان؟ ليلى: ليس المقصود من الإيمان النطق بالشهادتين فقط، بل الإيمان الذي يريده الدين هو الذي ينتهي بالإنسان إلى العمل، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام) : "الإيمان إقرار باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالجوارح"(2) فالإيمان هو أداء التكاليف، والقيام بها، فلا إيمان بلا عمل، فعن الإمام الصادق(عليه السلام) : "..الإيمان عَمَلٌ كُلُّه.."(3) ولذا نجد الكثير من الآيات تقرن الإيمان مع العمل الصالح. إذن لا مجال للكسل والتقاعس مع وجود الإيمان، فمَن آمن بالله واليوم الآخر غدا عاملاً في دنياه ليحصد ثمارها يوم القيامة، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام) : "إنّ الإيمان يبدو لَمظَة* في القلب، كلّما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة"(4). والإيمان على مستويات، والمؤمنون على درجات، فمثلما أنّ هناك فرقاً في النشاط والعطاء بين ضعيف الإيمان وقويّة، فكذلك يوجد فرق بين المؤمنين أنفسهم تبعًا لمستواهم ودرجتهم الإيمانيّة، وكلّما كانت الدرجة أعلى كان العطاء والنشاط أكثر والإنجاز أكبر. حميدة: هل لي أن أذكر مثالاً من القرآن الكريم؟ ليلى: تفضّلي. حميدة: يقول الله (سبحانه وتعالى) في كتابه الكريم مخاطبًا المؤمنين: (.. إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا../) (الأنفال:65) فقوّة المؤمن الواحد تعادل قوّة عشرة من غير المؤمنين، بل يفوق المؤمن ويغلبهم، فالنسبة في هذه المقابلة هي العُشر، فالواحد من المؤمنين بقوته يعادل عشرة من الذين كفروا. زينب: ما هو السرّ يا تُرى في قدرة المؤمن وتحمّله؟ ومن أين جاءت هذه القوّة؟ حميدة: الجواب في الآية (عِشْرُونَ صَابِرُونَ)، فالصبر أحد العوامل المهمّة، وهو ثمرة الإيمان واليقين، فالإيمان هو الذي أعطى هذه القوّة. ليلى: إذن هكذا يفعل الإيمان في الروح، يحوّلها طاقة جبّارة إلى روح حيّة خلّاقة دائمة الحركة والعمل والعطاء، والخلاصة أنّ الإيمان يفتح شهيّة النفس على العمل، وينفّرها من التقاعس والكسل، ولهذا يُعدّ الإيمان أقوى علاج للكسل. ........................ (1) ميزان الحكمة: ج 1، ص194. (2) بحار الأنوار: ج66، ص68. (3) ميزان الحكمة: ج 1، ص194. (4) بحار الأنوار: ج66، ص196. * (اللمظة: مثل النكتة أو نحوها من البياض)