سِلاحٌ ذو حَدّيْنِ.. كُونوا معهم حتّى لا تَخسَروهُم
زُجّوا في عالم لا يتناسب وأعمارهم، طفل اليوم أصبح مهووساً بعالم الإنترنت، ومتابعاً لكلّ جديد من برامج ومواقع مستحدثة، وأصبح لدينا كمّ هائل من المراهقين والأطفال الذين يسعون وراء الشهرة، وجذب المشاهدات على قنواتهم وحساباتهم، ربّما يمكننا القول إنّ الأيّام التي كان يحلم بها الأطفال بأن يصبحوا أطباء أو مهندسين أو معلّمين بدأت بالاضمحلال، فأطفال اليوم يمتلكون أحلاماً تتماشى مع حمّى التكنولوجيا. تجارب استطلعت رياض الزهراء(عليها السلام) آراء بعض الأمّهات ممّن مررنَ بتجارب مع أطفالهنّ في مرحلة الروضة أو الابتدائيّة حتّى مرحلة الإعداديّة، لكلّ منهنّ تجربة مع ابنتها أو ابنها، والحديث ابتدأ مع السيّدة هبة عليّ – طبيبة أسنان– التي شاركت تجربتها مع ابنتها (أوركيديا) ذات الخمس سنوات، إذ تحدّثت إلى رياض الزهراء(عليها السلام) مبيّنة: أغلب أطفالنا يستمتعون باليوتيوب؛ لأنّهم يشاهدون أشياء لم يطلعوا عليها في حياتنا اليومية، لكنّ للأهل دوراً في عدم تحويل متعة الطفل إلى تعوّد وهوس. كانت تجربتي مع طفلتي التي تأثّرت كثيراً بشخصيّة (شفا) على اليوتيوب، إذ أثّرت فيها وبشكل سلبيّ كونها شخصيّة عدوانيّة، لذا باشرتُ بالجلوس معها، وتفرّج الفيديوهات سويّاً، وبدأتُ أشرح لها تلك التصرّفات الخاطئة، ويجب أن لا نكون كتلك الطفلة الوقحة؛ لأنّ ذلك ليس بالسلوك الجيّد، وبعد تعب وجهد اقتنعت أوركيديا، وقرّرت أن لا تُصبح مثلها، وبذلك توقّفت عن مشاهدة تلك القناة، وعلى ضوء تلك التجربة اتبعت الآتي: أولاً: تقييد المحتوى الذي يشاهده الطفل، وذلك عن طريق متابعتنا لقنوات الأطفال قبل أن ندعهم يشاهدونها بشكل عشوائي. ثانياً: تحديد وقت المشاهدة، إذ تجعله يمارس حياته بشكل طبيعيّ بوصفه طفلاً، وفي الوقت ذاته لا نحرمه من التكنولوجيا الحديثة. وحديث جرى مع السيّدة زينب محمّد التي تحدّثت لرياض الزهراء(عليها السلام) عن تجربتها مع ولدها المراهق ذي الخمس عشرة سنة، إذ قالت: غموض أحاط بولدي إذ كان كثير الانعزال، وهاتفه لا يفارقه، وبدأت تظهر عليه صفات لم نعهدها من قبل، إضافةً إلى تدنّي مستواه الدراسيّ، فقمتُ بمراقبته، وبالتعاون بيني وبين والده استطعنا الحصول على الرقم السرّي للهاتف، وبدأنا مشوار البحث والتقصّي عمّا يفعل عَبر مواقع التواصل، وبالفعل حصلنا على ما نريد، إذ اكتشفنا أنّه قد انضمّ إلى مجموعة من الشباب غير الملتزمين وهم مَن يحثّونه على دخول عوالم الشهرة الفارغة والانحلال، بعد ذلك انطلق مشورانا صوب إصلاح ما أفسده الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل وغفلتنا في بعض الأحيان، بالنصح والإرشاد والموعظة، وتدخّل مَن هم من فئته العمريّة نفسها بطرق كثيرة جعل ابننا يعود إلى رشده، ويبتعد عن الإنترنت بشكل كبير، وعلى الرغم من نجاحنا في إصلاحه إلّا أنّ دروس الوعظ والإرشاد، وأساليب الاحتواء، وإشغاله بأعمال المنزل وغيرها مستمرّة، والمتابعة فوق ذلك. دور التربية والتعليم للمؤسّسات التربويّة والتعليميّة أهميّة كبيرة، إذ يقع على عاتقها جزء كبير من مهمّة تقويم الأجيال وصقل شخصيّاتهم، في هذا الصدد تحدّث إلينا الأستاذ نوفل الحمداني -مشرف تربويّ- مبيّناً دور التربية والتعليم في إصلاح ما أسهم في تخريبه الاستخدام الخاطئ للانترنت إذ قال: التأثير الكبير لوسائل التواصل الاجتماعيّ انتشر بشكل خطير، مع غياب الرقابة والانفتاح العشوائيّ على جميع الوسائل في عراق ما بعد التغيير، ممّا أدّى إلى ولادة جيل يبحث عن النجوميّة بمحتويات فارغة وياللأسف في أغلبها، وقد يكون للأوضاع السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة في البلد تأثير في ذلك، فالطفل والمراهق بعد أن اختفت جلسات السمر العائليّة وحلّت محلّها جلسات التحليل السياسيّ من قِبل الأبوين والإخوة الكبار التجآ إلى أن يشاهدا (مقاطع اليوتيوب) ويتابعا المدوّنين عَبر مواقع التواصل الاجتماعيّ. وبالطبع هناك دور يجب أن يضطلع به التربويّون لسدّ الفراغ الحاصل لدى الطفل والمراهق الذي أدّى إلى سلوكهما هذا، ومن أهمّ الأشياء التي يُمكن للتربويّ عملها جذب الطفل والمراهق نحو المادّة العلميّة عن طريق تكليفه بإنجاز مشاريع وتقارير علميّة من الإنترنت، وبهذا يُشغل الطفل بشيء مفيد، وكذلك إظهار مساوئ الفيديوهات فارغة المحتوى وذلك عن طريق تنشيط دروس التربيّة الفنيّة والفِرَق المدرسيّة الفنيّة والرياضيّة، واستقطاب مواهب التلاميذ إليها. الآثار النفسيّة وطرق التخفيف وفيما تحدّثت السيّدة خلود البياتي -باحثة اجتماعيّة- عن الآثار النفسيّة وطرق التخفيف من أضرار مواقع التواصل الاجتماعي: يعيش كثير من الأطفال في العالم الافتراضيّ، فيقبع لساعات طويلة أمام الشاشة الصغيرة لأيّ جهاز إلكترونيّ يوصله إلى ذلك العالم الجميل الذي قام بنسج كلّ تفاصيله الدقيقة بنفسه، بحيث اشتمل على كلّ ما يرغب به من احتياجات نفسيّة، وقد رسم صورته مثلما يرغب بها من تسريحة للشعر، وزيّ معين، وجسم يشبه مَن يحبّ من المشهورين، وعن طريق ذلك يحاول ملء كلّ الثغرات الموجودة في حياته التي لم يستطع الأهل ملأها وإشباعها ومن ثمّ أغناه هذا العالم الافتراضيّ عن الآخرين الذين يوجّهون له النقد واللوم الدائمين. وعندها تبدأ الآثار النفسيّة تظهر على الطفل، منها ما هو واضح وجليّ، ومنها ما هو مخفيّ عن عيون الأهل وأسماعهم، وسنورد هنا بعضاً منها: من أهمّ الأمور الملاحظة هي الانعزاليّة، وتجنّب التواصل الاجتماعيّ الواقعيّ، إضافة إلى الشعور بالغربة عند حصول الاختلاط مع المحيط، حيث لا يشعر الطفل بالانتماء إلى هذه البيئة الغريبة، وقد يخيّم على حياته تبلّد المشاعر واللامبالاة لما يدور من حوله، ومن أخطر ما يُصيب هذا الطفل أو المراهق هو الخوف الدائم من عدم مواكبة ما يحصل حوله من أحداث، أو قلّة عدد المعجبين والمتابعين، وهو ما يسمى (Fear of missing out) أو (fomo) يعني الخوف من فوات الشيء، فتجده دائم القلق والتوتر، وهاجس الفشل وعدم القبول من الآخرين يرافقه، فتكون النتيجة اضطراباً في النوم أيضاً . ولأجل التخفيف ممّا ذكر آنفاً يجب على الأهل أن يتمتّعوا بمستوى عالٍ من الوعي التربويّ؛ ليتمكنوا من اختيار البديل المناسب لما يحدث، ومن أهمّ النقاط هي التفهّم والاستيعاب، وليس التهجّم والعقاب، فأول الأسباب هو الشعور بالفراغ لدى الطفل وعدم وجود الأذن الصاغية، وعليه فالاستماع له التأثير الكبير، ثمّ تخصيص وقت للمشاركة في اللعب مع الأطفال، وعن طريقه يتمّ إيصال الرسائل التربويّة بصورة غير مباشرة لكن مؤثّرة، وكلّما كان الاقتراب والتفهّم للأطفال أكثر، كان تأثير الأجهزة الإلكترونيّة السلبيّ لا يذكر. اليوتيوب ومواقع التواصل، والتطبيقات الأخرى ليست سلبيّة بشكل بحت، ولا إيجابيّة بشكل تام، وإنّما هي عوالم افتراضيّة لها سلبيّاتها وإيجابيّاتها، وأهمّ فوائد الإنترنت هي المعلومات؛ فالإنترنت هو من الكنوز الافتراضيّة للمعلومات، ويمكننا الوصول إلى أيّ نوع من المعلومات حول أيّ موضوع نحتاجه عن طريقه. ولكن بما أنّ الموضوع يخصّ الطفل والمراهق، فعلى المختصّين بهذا الشأن حمايتهم من الاستغلال بشتّى أنواعه، وعدم جعلهم وسيلة للكسب والربح على حساب مستقبلهم ومستقبل متابعيهم؛ لأنّ المدوّن الواحد منهم يتابعه الملايين، ويتأثّرون بسلوكياته، وبذلك يُصبح أولادنا فريسة لأيّ فكر وثقافة، فتقع على الأهل مسؤوليّة كبرى في متابعة المحتوى الذي يتابعه الطفل والمراهق، ويجب أن يكون تحت إشرافهم، وبأوقات مناسبة، وبذلك لا نرمي باللائمة على البرامج الممنهجة.