الأُمُومَةُ وَالنَّخلَةُ المُنكَسِرَةُ

زينب شاكر السمّاك/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 221

في أحد الليالي الصيفيّة الجميلة وبينما كنّا نقضي عطلة نهاية الأسبوع في واحد من البساتين الجميلة المملوءة بالنخيل الشامخات كان الوقت حينها في شهر تموز، وفي هذا الوقت يتلألأ الرطب من بين سعوف النخيل بصورة جميلة ومثيرة، كان كلّ مَن يمرّ من جانب النخيل يلمس هذا الابتهاج والجمال كأنّهنّ يضحكنَ مستبشرات بما يحملنَ من رطب جني، وبينما أنا أنظر إليهنّ نظرة المتشوق جذبتني نخلة حزينة جداً وكأنّها في مأتم وترتدي ثوب الحداد، تأمّلتها جيداً، كانت لا تحمل رطباً كباقي صديقاتها، وخاصّة أنّ موقعها بين نخلتين من أجمل النخيل التي تحمل التمور الراقية. وعندما سألتُ عنها أجابني صاحب البستان الذي يعرف قصّة كلّ نخلة في داخله وقال: إنّ هذه النخلة كانت تحمل من أجود التمور، ولكن أصابها مرض وتساقطت تمورها، وأصبحت بهذا الشكل وعلى هذه الحالة، حتّى إنّني أفكّر في قلعها من جذورها. هنا وقفتُ أتأمّل الأمومة، كم هي عظيمة هذه الصفة، إنّها نعمة إلهيّة وَهَبها الله(سبحانه وتعالى) إلى كلّ أنثى من كائناته، فهذه النخلة مثلاً كانت تزهو وجميلة وشامخة كقريناتها، وبمجرد ضياع هذا الكنز وفقدانها إحساس الأمومة أصبحت هكذا. كيف بالمرأة التي تعيش شعور الأمومة بمراحل مختلفة، فقد خصّ الله تعالى المرأة بامتياز عظيم، ونالت تكريماً من ربّها في الدنيا والآخرة بسبب امتياز الأمومة، إنّ غريزة الأمومة طاغية على الفتاة منذ طفولتها وهي تلعب بدميتها وتحضنها وترضعها على أنّها ابنتها الصغيرة، ويكبر هذا الشعور معها لغاية بلوغها وزواجها وتكتمل أنوثتها حينما تُصبح أمّاً، وسام الأمومة يُزيّن المرأة ليس بالإنجاب فقط، بل بالتربية والعطاء والتضحية، لذا فإنّ الأم مدينة لطفلها بالتربية الصالحة والمراعاة الدائمة؛ لأنّه وهبها كلمة (ماما) التي جعلتها تشعر بقيمتها وأنوثتها. على كلّ سيّدة أن تفكّر ملياً قبل اتخاذ قرار إنجاب الطفل الأوّل، عليها أن تعرف أنّ الأمومة ليست سهلة، الأمومة يعني أن تهب حياة جديدة لكائن جديد تضع روحها به وتضمّه مدّة تسعة أشهر داخل أحشائها وبعدها يخرج إلى عالم الدنيا عن طريق شعورها بألمٍ قاسٍ يُصنّف على أنّه ثاني أقسى ألم في العالم، وبعد هذه المرحلة ستكون بالنسبة إلى هذا الطفل أهمّ ما يملك، سيسلبها راحتها ليرتاح ويمتلك كلّ وقتها واهتمامها. إن لم تكن الأمّ سنداً لصغيرها وحصنه الحصين أمام تقلّبات الحياة والمشاكل الأسريّة والضوائق الاقتصاديّة وكلّ ما يعكّر مزاج طفلها فلا تُقدم على إنجابه، فهي أساس تكوين شخصيّته، وتتّفق الأبحاث على أنّ الأساس الأوّل لصحّة الطفل النفسيّة يعتمد على العلاقة الوثيقة الدائمة التي تربط الطفل بأمّه، فإنّ حُرِم الطفل من رعاية أمّه وحبّها له بالصورة المطلوبة سوف يؤثّر في نفسيّته مستقبلاً. رفقاً بأطفالكم؛ ليس ذنبهم كون الحياة صعبة، ولا ذنب لهم بتغيّرات الحياة، لا تكوني سبباً في إيذاء طفلكِ بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إنّه هديّة ربّكِ، حافظي عليه ولا تحرميه من الحنان؛ لأنّه أساس سعادتكِ وبدونه ستكونين كالنخلة المنكسرة.