رياض الزهراء العدد 162 لحياة أفضل
مَتَى تَكونُ أُمّاً؟
حين تنثال قطرات الندى على صفحات وريقاتها الخضراء فتزهر رونقًا وجمالاً، لتبدأ مواسم الخصب المُرتقب، وحين تؤلف الأكوان نسقًا مموسقًا في كيان أنثى فيغدو ما بداخلها حبلاً وصولاً يعزف إيقاعًا تراتبيًا، ومشيمة تغذّي الحبَّ في ذرّات متتابعة من دفق دماء زاكية؛ لتحيي بذرة قابعة في زاوية من زوايا رحم رحوم، وحين يغدو الحلم حقيقة وتجري المقادير في أطوارها من نطفة فعلقة ثمّ مضغة مخلّقة وغير مخلّقة، فيستكين الوعاء الحاضن إلى أمر الله النافخ في الروح من روحه تعالى، ليكون جنينًا نابضًا بالحياة تدثّرهُ أغشية ثلاث. وحين تدور رحى الحياة فيصعد نبض وينزل آخر ليعلن لحظة الوجود بضربات حنونة كأنّها إشعارات بكونه على قيد الحياة، وأنّه هو مَن ترتقبه الحواسّ ليعلن لحظة الحضور والتجلّي، حينها فقط تغدو الأنثى أُمّاً فيستقيم نسق الكون بمولود جديد بعد مخاض عتيد، وهكذا هي دورة الحياة على وجه البسيطة، ويزيد في الخلق بمشيئته، حينها فقط تتفتّح أوردة الحياة في فيافيها لتسبغ لبَنَاً سائغاً فتنعش أكباداً حرّى، وتملأ أجوافاً سغبًا وتلك هي الأمومة الرؤوم. ولكن مهلاً أيّتها الأرض الحبلى؛ يا أمّنا لا تُسرفي في ألوان الفرح، ولا تذهبنّ الخيلاء ببعض صفاتكِ، ولا تنتشي لكثرة الوافدين على سطحكِ، ولا تنثري حبّات الأرز لخصب طال انتظاره، فمَن أتاكِ فقد أتى، ومَن رحل عنكِ فقد رحل، إنّما القادم ثقل جديد، إمّا شقيّ وإمّا سعيد، فإنْ كان سعيداً فمرحى له عيش السعداء، وإن كان شقيًا، فما هو إلّا رقم يُضاف إلى قائمة الموتى الأحياء.