رياض الزهراء العدد 162 لحياة أفضل
الإيجَابِيَّةُ في تَربِيَةِ الأبناءِ
غالباً ما يقرّر معظمنا مع انتهاء عام وحلول عام آخر تحسين النظام الحياتيّ المتّبع من قِبله بشكل جذريّ أو تغييره، كأن يقوم بتغيير نمط حياته بأن يُضيف عليها ما يدخل السرور والسعادة أو يغير من عادات عديدة مكتسبة لديه إلا أنّ إحدى أهمّ التغييرات هو أن تكون شخصاً إيجابياً شيئاً فشيئاً في حياتكَ، فالإيجابيّة نعمة من الله عزّ وجل على الإنسان، ومَن تمسّك بها حصل على الخير والنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، والرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قد حثّ على الإيجابيّة في عدّة أحاديث، منها قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): "مَثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمَثَل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَهَر والحُمّى"(1). وممّا لاشكّ فيه أنّ الإيجابيّة تؤدّي دوراً مهمّاً في تكوين شخصية الإنسان، بل هي القوة التي تدفعه إلى عالم الإبداع والتميّز في كافّة مجالات الحياة المختلفة، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أنّ التفكير الإيجابيّ في أمور الحياة يُبعد شبح الأمراض، ويُطيل العمر - بإذن الله تعالى-، ونقصد بالإيجابيّة هنا: استخدام الشخص لعقله الباطن في محاولة الوصول إلى آماله وأحلامه التي يطمح إليها، وعَرَّفها آخرون بأنَّها: مصدر القوة لدى الشخص، الذي عن طريقه يستطيع أن يجد الحلول المناسبة لمشكلاته، وذلك عن طريق التحكُّم بأفكاره. ومن هنا نستنتج أنّ تفكير الشخص بطريقة إيجابيّة يُؤدّي إلى وصوله إلى نتائج إيجابيّة(2)، وهذا لا يعني بالضرورة ألّا يمرَّ الشخص ببعض اللحظات والمشاعر السلبيّة، ولكن يعني أن يبتعد عن لوم ذاته، دون التحرك لحلّ المشكلات التي تواجهه، والتفكير في أفضل الحلول والخروج من هذه المشاعر بأقلّ ضرر ممكن؛ لأنّه إذا غلبت السلبيّة في حياته يصبح غير راضٍ عنها، أمّا إذا استبدلنا هذه الأفكار بأفكار إيجابيّة فإنّ نظرة الفرد إلى نفسه وحياته سوف تتغيّر، ويصبح من الأشخاص المتفائلين الذين يعتزّون بأنفسهم وسينعكس هذا التفاؤل على حياته ونجاحاته(3). والإنسان عندما ينظر إلى الحياة نظرة إيجابيّة، فستساعده هذه النظرة على التخلّص من أسباب الخوف والقلق والتوتّر. وهنا يقع على الأمّ الدور الأكبر في ترسيخ ثقافة الإيجابيّة في حياة أبنائها لصنع حياة أفضل لهم، وجعلهم جيلاً متفائلاً عن طريق أسس التربية التي تتّبعها الأمّ، والتي تبدأ من احترامها لعقليّة الطفل من جانب وتوجيهه لكي يُصبح إنساناً إيجابيّاً ناجحاً عند الكبر من جانب آخر، وذلك عن طريق منحه الحبّ والحنان الكافيين، وفي الوقت ذاته ترسّخ لديه الثقة بالنفس والقدرة على اتخاذ القرار، وهذا كلّه يقوم على أساس الانضباط الذاتيّ للأبناء الذي يجعلهم يتصرّفون بشكل سويّ من دون أن يشعروا بأنّهم مراقبون، فسلوكهم صادر عن قناعة شخصية ويشير أغلب المهتمّين بدراسة سلوكيّات الفرد أنّ النهج التربويّ الناجح يعتمد أساساً على أسلوب الحوار، والانصات الفعّال، غير أنّ على الوالدين الانتباه إلى عدم الخلط بين الحوار والاستشارة، فإن كان أحد الأبناء سيقدم على عمل لا يستلطفانه فيجب عليهما إبداء رفضهم للفكرة، والعمل على إقناعه بأسباب رفضهم له، فالتربية الإيجابيّة تعزّز ثقة الفرد بنفسه، وتعلّمه الاعتماد على ذاته، مثلما أنّها توطّد الأواصر بينه وبين والديه، وتجعل العلاقة بينهم مبنيّة على الثقة والاحترام. .......................................... (1) ميزان الحكمة: ج4، ص2837. (2) التفكير الإيجابيّ: ص2-3. (3) التفكير الإيجابيّ: ص5.