رياض الزهراء العدد 162 الحشد المقدس
حِينَما يَتَحدَّثُ الشُّهَداءُ
هم صفحة بيضاء توهّجت نوراً في سِفر التاريخ، هم خُلاصة المجد، وعُصارة العزّ وبريق الأمل، هم روّاد الظفر وعشّاق الموت الأحمر، هم الشهداء الذين تذوي في محضرهم كلمات الشكر والثناء. قد أبحروا ليوثاً أشدّاء في بحر النجيع القاني بسفينة الشهادة المقدّسة، وشقّوا أمواج المكاره بمجاذيف التوكّل والحبّ الإلهيّ ليصلوا إلى شاطئ النصر المؤزّر، فكانوا للأُباة والأحرار أفضل أساتذة في أروع مدرسة. هم مَن قالوا لأرضهم التي أراد الأعداء استباحتها وتدنيس مقدّساتها مهلاً أيّتها الأمّ المعطاء، ها هم أبناؤكِ قادمون ليطهّروا ترابكِ من دنس الأعداء، فصَدَقوا وصنعوا النصر بفيض الدماء، ثم نادوها بعد أن تناثروا كوريقات الزهور على الأرض شهداء: هيّا يا أرضنا، هيّا يا أمّنا لملمي جراحكِ وارتدي ثوب الزفاف، خضّبي وجنتيكِ بدماءِ الذين تربّوا على موائد الطهر والغيرة والعفاف، وتقبّلي هديتنا، نصراً مكللاً بمسك الدماء، مخضّلاً بدمعات أمّّهات الشهداء، بآهات الأيتام، وابتهالات الزوجات الصالحات بأن يتحقّق النصر ويعود السلام. هيّا يا أرضنا الطيّبة انفضي عنكِ غبار الأسى والأنين، وتحدّي وجع السنين، واحفري على تربكِ الطاهر أسماء المضحّين، ليبقى ذكرهم خالداً يلهم الأجيال كيف يكون الثبات وَسط المِحَن والآلام، وكيف يُصنع النصر بعد أن تكتظّ بالمآسي الأيام. حدّثيهم عن محنتنا وجراحنا وتفانينا في إيقاد الشموع وسط الظلام، كلّميهم بلغة الحروف والأرقام، كيف استمعنا لنداء الحقّ الذي انطلق من حوزة العلم ونائب الإمام، وكيف أتينا إلى ميدان النزال نهوى المنايا، ونرى فيها تحقيق الأهداف، والوصول إلى المُنى والمرام. حدّثيهم عن كلّ تلك الأوجاع والتحدّيات، والمعارك والصعوبات، والذكر والصلوات، والتسبيح والدعوات، ونداءات يا زهراء... يا حسين.... يا صاحب الزمان. حدّثيهم عن رسائل الشوق التي كنّا نرسلها إلى أهلنا عندما تطول غيبتنا، حدّثيهم عن كلمات أمّهاتنا التي كانت تشدّ من عزيمتنا، وعن دور زوجاتنا في صمودنا، حدّثيهم عن دموعنا التي كنّا نذرفها بصمت في ليالي تهجّدنا بأن يعجّل الله تعالى لنا لقاءه لنصل إلى أقصى رغباتنا. ها نحن الآن في جوار ربّنا، ننظر من عليائنا إلى وطننا وأبناء شعبنا، وكلّ أملنا أن يحفظوا تضحياتنا، ويصونوا النصر الذي صنعناه بجهادنا وصبرنا، ويستمعوا إلى صوت مرجعنا، ويديموا في كلّ الأحوال ذكرنا ليستمدّوا عزماً من عزمنا، ورسالة من نجيع دمائنا، ليخطّوا عن طريقها سوراً يحمي أرضنا، وناراً تُحرق مَن يريد السوء بمقدّساتنا.