بِدَايَةٌ بِلا نِهَايةٍ

سلوى أحمد السويدان/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 188

بين فينة وأخرى تحلّ علينا عواصف شتى وحوادث متقلّبة تزعزع أمان أيامنا، فتسرق منديل أحلامنا بريحها العاتية وتقطف أجمل لحظاتنا بلمحة دهشة، تزرع في مكامن أرواحنا نكهة الحزن السرمديّ، وليس ببعيد كلّ هذا فإنّنا في دنيا الفناء وعلى محكّ اختبار دنيويّ، ولا بدّ لنا من أن نقدّم الشهداء، بل العديد من الشهداء؛ ليبقى طريق الحقّ فوّاحاً برائحة تلك الجميلة المفتون بها كلّ عشّاقها (الشهادة)، إنّ لها سحراً لم نبصره على وجه المنغمسين في حبّ الدنيا، والمتنعّمين على بساط الرفاهية. فمن أين يأتي أولئك الشباب الغيارى؟ ومن أيّ رحم يُولدون؟ ما سرّ هذا المربّع العقائديّ الضخم الذي يُجمّلهم بعشق الآخرة والإعراض عن مغريات هذه الدنيا؟ إنّهم بصلابة الجبال، يتزوّدون اليقين بنَهم، على عكس أولئك الخائفين من فكرة الانتماء إلى العقيدة، والذين يظنّون بأنّ الساحة ورديّة، والحدود أيقونة أمان لم تنهشها في يوم أنياب الغدر، أولئك المتورّطون بالخوف من صرح المعنى، من تلألئ العقيدة على جبين أبنائها، تلك العقيدة التي تستطيع أن تصنع جيشاً من الإيمان بفتوى من مرجع استقى تعاليم السماء من منبع النبوّة، فلن يراهنكَ أحد على دمه مثلما يفعل أولئك المتعمّقين بنهر العشق الخالص لله. كونوا على يقين ما هذا الحشد بالغريب بين أهله، ولا بالضيف في بلده، بل هو الحارس الأمين لبوّابة الحياة والمؤتمن على كلمة الحقّ المكتوبة على ناصية الوطن، والمعروف عن كلّ أرض محتلّة أنّها ولودٌ بالأبطال المدافعين، فكيف يمكن لأحد أن ينزع الحبّ من قلوب هتفت بـ (لبيكَ يا حسين)؟ أو يستغرب تلك الابتسامة الفضفاضة على ثغرهم وهم يرحلون بكلّ تلك المهابة؟ نعم لا شكّ أنّ الموت يُوجعنا بفقدهم، يتركنا رهن الحزن في زوايا الفقد؛ لكنّه شفاؤهم الوحيد؛ لأنّهم أهل البصيرة التي اعتنقت حبّ القرب الإلهي وحبّ الجوار الحسينيّ وحبّ المقاومة التي نبتت في أرض عُرف كيف روتها الدماء على مرّ السنين، فأدركوا جيداً رغم كلّ التحديات أنّهم وجه الوطن الآخر، وبريق ألوانه الحاملة ومضات الإيثار الدائم، أدركوا جيداً أنّه لا يمكن أن تموت مقاومة في أرضها، ويقبع محتلّ يُدنّس بأفكاره وسلاحه ملامح هذا البلد الذي أثقلته الأحقاد بالحزن والأسى، فأفكار أولئك ما هي إلّا رسالة مدويّة بأنّ البداية لهذا الحشد لن تشوبها نهاية.. وفي يدهم مصباح تُضيئه شعلة الشهادة.. لن تخمد أفكارهم الولائيّة مهما اشتعلت.. نوايا السائلين عن مغزى تعلّقهم بهذا النهج، سيدرك كلّ إنسان أنّ زيت الانصياع غير المبرّر لأيّ درب لا يسكنه نور الله(سبحانه وتعالى) سوف لن يزيده إلّا احتراقًا؛ لأنّ مصباح الجهاد نور العارفين، ولن ينتهي الحشد يوماً..